ممن إذا اقتديت بهم فقد اهتديت وكيف يصح لك دعوى الانتساب إِلَى إمام، وأنت عَلَى مخالفته مُصرّ، ومن علومه وأعماله وطريقته تفرّ.
واعلم -وفقك الله- أنك كلما اشتغلت بتلك الطريقة، وسلكت السُّبل الموصلة إِلَى الله عَلَى الحقيقة، واستعملت الخشية ونفسها المراقبة، ونظرتَ في أحوال من سلف من الأئمة بإدمان النظر في أحوالهم بحُسن العاقبة، ازددت بالله وبأمره علمًا، وازددت لنفسك احتقارًا وهضمًا، وكان لك من نفسك شغلٌ شاغلٌ عن أن تتفرغ لمخالفة المسلمين.
ولا تكن حاكمًا عَلَى جميع فرق المؤمنين، كأنك قد أوتيت علمًا لم يؤتوه، أو وصلت إِلَى مقامٍ لم يصلوه.
فرحم الله من أساء الظلم بنفسه علمًا وعملاً وحالاً، وأحسن الظن بمن سلف، وعرف من نفسه نقصًا ومن السَّلف كمالاً، ولم يهجم عَلَى أئمة الدين ولا سيما مثل الإمام أحمد، وخصوصًا إِن كان إِلَيْهِ من المُنتسبين.
وإن أنت أبيت النصيحة وسلكت طريقة الجدال والخصام، وارتكبت ما نُهيت عنه من التشدّق والتفيهق وشقشقة الكلام، وصار شغلك الرد عَلَى أئمة المسلمين، والتفتيش عن عيوب أئمة الدين: فإنك لا تزداد لنشك إلا عُجبًا، ولا لطلب العلو في الأرض إلا حُبًّا، ومن الحق إلا بُعدًا، وعن الباطل إلا قربًا، وحينئذٍ تقول: ولم لا أقول وأنا أولى من غيري بالقول والاختيار، ومن أعلم مني ومن أفقه مني؛ كما ورد في الحديث هذا يقوله مِن هذه الأمة مَن هو وقود النار.
أعاذنا الله وإياكم من هذه الفضائح، ووفقنا وإياكم لنتول النصائح بمنه وكرمه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
فإن أبيت إلا الإصرار عَلَى أنَّ العِلْم والتفقه هو نقلُ الأقوال، وكثرة البحث عليها، والجدال، وأنَّ من اتسع في ذلك ونقب عن عيوب الأئمة بالنظر