والاستدلال أعلم ممن لم يكن كذلك، وأن من قلّ كلامُه في هذا فليس هنالك.
فنقول لك من هنا اعتقد طوائفُ من أهل الضلال أنَّ الخلف أعلم من السَّلف؛ لما امتازوا به من كثرة القيل والقال.
ونحن براء إِلَى الله من هذه الأقوال، ولو كان الأمرُ عَلَى هذا لكان شيوخُ المعتزلة والرافضة أعلم من سلف الأمة وأئمتها.
وتأمل كلامَ شيوخ المعتزلة كعبد الجبار بن أحمد الهمداني وغيره، وكثرة بحوثه وجداله، واتساعه في كثرة مقاله، وكذلك من كان من أهل الكلام من سائر الطوائف.
وكذلك المصنفون في سائر الكلام، وفي الفقه من فقهاء الطوائف: يُطيلون الكلام في كل مسألةٍ إطالة مُفرطةً جدًّا، ولم يتكلم أئمتُهم في تلك المسائل بتقريرها وكلامهم فيها.
هل يجوز أن يُعتقد بذلك فضلُهم عَلَى أئمة الإسلام، مثل سعيد بن المسيب والحسن، وعطاء، والنخعي، والثوري، والليث، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عُبيد ونحوهم.
بل التابعون المتسعون في المقال أكثر من الصحابة بكثير، فهل يعتقد مسلم أنَّ التابعين أعلمُ من علماء الصحابة.
وتأمَّل قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ»(١).
قاله في مدح أهل اليمن وفضلهم، فشهد لهم بالفقه والإيمان، ونسبها إليهم لبلوغهم الغاية في الفقة والإيمان والحكمة.
ولا نعلم طائفة من عُلماء المسلمين أقل كلامًا من أهل اليمن، ولا أقل جدلاً، منهم، سلفًا وخلفًا؛ فدلَّ عَلَى أنَّ العِلْم والفقه الممدوح في لسان
(١) أخرجه البخاري (٤٣٨٨، ٤٣٨٩، ٤٣٩)، ومسلم (٥٢) من حديث أبي هريرة.