للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشارع: هو العِلْم بالته المؤدي إِلَى حُبّه ومحبته، وإجلاله وتعظيمه، وهما مع العِلْم بما يحتاج إِلَيْهِ من أوامره ونواهيه، كما كان عليه علماء أهل اليمن قديمًا، مثل: أبي موسى الأشعري، وأبي مُسلم الخولاني وأويس وغيرهم. دون ما زاد عَلَى ذلك، من ضرب أقوال الناس بعضها ببعض، وكثرة التفتيش عن عوراتهم وزلاتهم.

وهو أنَّ أكثر الأئمة غلطوا في مسائل يسيرة، مما لا تقدح في إمامتهم وعلمهم، فكان ماذا؟! فلقد انغمر ذاك في محاسنهم وكثرة صوابهم، وحُسن مقاصدهم ونصرهم للدين.

والانتصابُ للتنقيب عن زلاَّتهم ليس محمودًا ولا مشكورًا، لاسيما في فضول المسائل التي لا يضر فيها الخطأ، ولا ينفع فيها كشفُ خطئهم وبيانُه.

وكذلك كثرة البحث عن فضول علوم لا تنفع في الدين وتشغل عن الله والاشتغال به، وتقسِّي القلب عن ذكره، وتوجب لأهلها حبَّ العلو والرئاسة عَلَى الخلق.

فكل هذا غيرُ محمود، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتعوَّذُ من علم لا ينفع (١)، وفي حديث عنه أنَّه قال: «سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ» (٢).

وفي حديث عنه: "إِنَّ من العِلْم جهلاً" (٣). وكان - صلى الله عليه وسلم - يكره إطالة القول وكثرة تشقيق الكلام، ويُحب التجوز في القول؛ وفي ذلك عنه أحاديثُ كثيرة يطول ذكرها.

وكذلك التصدّي لرد كلام أهل البدع بجنس كلامهم، من الأقيسة الكلامية وأدلة العقول: يكرهه الإمامُ أحمد، وأئمة أهل الحديث كيحيى القطان، وابن مهدي، وغيرهم. وإنَّما يرون الردَّ عليهم بنصوص الكتاب والسنّة، وكلام سلف الأمة إِن كان موجودًا، وإلا رأوا السكوت أسلم.


(١) أخرجه مسلم (٢٧٢٢) من حديث زيد.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٣٨٤٣).
(٣) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (٥٠١٢).