للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال بعض السَّلف: ما أعتد بما ظهر من عملي، وحب الإسرار بالطاعة من علامات المحبين لمولاهم.

قال مخلد بن الحسين: ما أَحَبّ الله عبدٌ فأحب أن يعرف الناس مكانه.

وقال أحمد بن أبي الحواري: مَن عَبَدَ الله عَلَى المحبة لا يحب أن يرى خدمته سوى محبوبه.

واطَّلع عَلَى بعض أسرار المحبين مع الله، فعلم بذلك، فدعا لنفسه بالموت، وقال: إنما كانت المعاملة تطيب حيث كانت سرًّا بيني وبينه، فمات.

سئل بعضهم عن شيء من أسراره مع مولاه فأنشد:

من سارروه فأبدى السر مجتهدًا ... لم يأمنوه عَلَى الأسرار ما عاشا

وجانبوه فلم يظفر بودهم ... وأبدلوه من الإيناس إيحاشا

لا يصفون مذيعًا بعض سرهم ... حاشا ودادهم من ذاكمو حاشا

المحبون يغارون عَلَى الأسرار من اطلاع الأغيار.

نسيم صبا نجد متى جئت حاملاً ... تحيتهم فاطو الحديث الركبِ

ولا تذع السر المصون فإنني ... أغار على ذكر الأحبة من صحبِ

قوله: "وكان غامضًا في الناس لا يشار إِلَيْهِ بالأصابع" يدل عَلَى فضل العبد التقي الخفي.

وفي حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العبد الغني التقي الخفي" (١).

وفي حديثه أيضاً: "خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي" (٢).


(١) أخرجه مسلم (٢٩٦٥).
(٢) أخرجه أحمد (١/ ١٧٢، ١٨٠، ١٨٧)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٧/ ٨٤)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (١٣٧)، وأبو يعلى في "مسنده" (٧٣١) من حديث سعد ابن أبي وقاص. قال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٨١): وفيه محمد بن عبد الرحمن ابن لبيبة، وقد وثقه ابن حبان وقال: روى عن سعد بن أبي وقاص.