قال ابن مسعود (١): كونوا ينابيع العِلْم مصابيح الظلام، جُددُ القلوب خلقان الثياب، تعرفون في أهل السماء، وتخفون عَلَى أهل الأرض.
كان قاسم الجوعي يقول لأصحابه: اغتنموا من زمانكم خمسًا إن حضرتم لم تعرفوا، وإن غبتم لم تفقدوا، وإن شهدتم لم تشاوروا، وإن قلتم شيئًا لم يقبل قولكم، وإن عملتم شيئًا لم تعطوا به. وأوصيكم بخمس أيضاً: إن ظلمتم لم تظلموا، وإن مُدحتُم لم تفْرحوا، وإن ذُممتُم لم تجزعوا، وإن كُذِّبتُم فلا تغضبوا، وإن خانوكم فلا تخونوا.
طوبى لعبدٍ طوبى لعبد بحبل الله معتصم ... عَلَى صراط سويٍّ ثابت قدمه
رثُّ اللباس جديدُ القلب مستترٌ ... في الأرض مشتهر فوق السماء اسمه
ما زال يحتقر الأولى بهمته ... حتى ترَّقت إِلَى الأخرى به هممه
فذاك أعظم من ذي التاج متكئًا ... عَلَى النمارق مختلفًا به خدمه
ما زال الصادقون من العُلَمَاء والصالحين يكرهون الشهرة ويتباعدون عن أسبابها، ويحبون الخمول، ويجتهدون عَلَى حصوله.
وقال بعضهم: ما اتَّقى الله من أَحَبّ الشهرة.
وكان أيوب السختياني يقول: ما صدق عبدٌ إلا أَحَبّ أن لا يشعر بمكانه.
ولما اشتهر بالبصرة كان إذا خرج إِلَى موضع يتحرى المشي في الطرقان الخالية، ويجتنب سلوك الأسواق والمواضع التي يعرف فيها.
وكان سفيان الثوري لما اشتهر يقول: وددت أن يدي قُطعت من إبطي، وأني لم أشتهر ولم أُعرف.
ولما اشتهر ذكر الإمام أحمد، اشتد غمه وحزنه، وكثر لزومه لمنزله، وقل خروجه في الجنائز وغيرها، خشية اجتماع الناس عليه.
(١) أخرجه الدارمي في "سننه" (٢٥٦)، والبيهقي في "الشعب" (١٧٢٩) مع اختلافٍ فى بعض الألفاظ.