للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ياقوت نفسي إذا ما تم عفوك لي ... فلست آسى عَلَى دُرٍّ وياقوت

قوله: "عجلت منيته، قلَّت بواكيه، قلَّ تراثه" يعني أنَّه يعجل له الموت عَلَى هذه الصفة، وهي أن يكون من يبكي {عليه} (*) قليلاً، وذلك لقلة عياله كما سبق، وأن يكون تراثه قليلاً، ويعني بتراثه الَّذِي يخلفه من الدُّنْيَا، وبذلك فسَّره الإمام أحمد وغيره.

وهذا الكلام يحتمل أن يكون إخبارًا عن حال هذا المؤمن، ويحتمل أن يكون دعاء له من النبي صلى الله عليه وسلم، فاقتضى هذا الكلام أن المؤمن إذا كان عَلَى حالةٍ حسنة من حسن عبادةٍ وخمولٍ وقناعةٍ باليسير، فإنَّه يغبط بتعجيل موته عَلَى هذه الحالة، خشية أن يفتن في دينه ويتغير عما عليه.

ولهذا المعنى شُرع تمني الموت وطلبه، خشية الفتنة في الدين. وفي "المسند" مرفوعًا (١) "لا يتمنين الموت إلا من وثق بعمله". فمن كان عَلَى حالةٍ حسنةٍ في دينه فإنَّه يغبط بموته قبل تغير حاله.

كان أبو الدرداء إذا مات الرجل عَلَى الحالة الصالحة قال: هنيئًا لك، يا ليتني مكانك، فقالت له أم الدرداء في ذلك فَقَالَ: هل تعلمين يا حمقاء، أن الرجل يصبح مؤمنًا ويمسي منافقًا، يسلب إيمانه وهو لا يشعر، فأنا لهذا الميت أغبط مني لهذا بالبقاء والصلاة والصوم.

وقيل: ما تحب لمن تحب؟ قال: الموت. قِيلَ لَهُ: فإن لم يمت؟ قال: قلة المال والولد.

وكان ابن مسعود يتمنى الموت، فقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: لو أني أعلم أني أبقى عَلَى ما أنا عليه لتمنيت البقاء عشرين سنة.

ورأى أبو هريرة شبابًا يتعبدون فَقَالَ: ليت الموت ذهب بهؤلاء.


(*) في الأصل: "عَلَى" وما أثبته موافق للسياق.
(١) (٢/ ٣٥٠) من حديث أبي هريرة بنحوه.