للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم السماء والأرض.

وقيل: إن في التوراة أن الأرض تبكي عَلَى المؤمن أربعين صباحًا.

فكلما قلت بواكي الميت المؤمن من بني آدم، كان أقرب إِلَى بكاء غيرهم عليه.

وقد سُمع نياحة الجن وبكاؤهم عَلَى جماعة من سلف الأمة منهم: عمر ابن الخطاب، والحسين بن علي، وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهم-.

كان للمأمون ولد يسمى عليًّا وكان شديد الترف، فألقى الله في قلبه الزهد في الدُّنْيَا، فهرب من أبيه وخرج إِلَى البصرة وتنكر ولبس الخشن، وكان يصوم النهار ويقوم الليل، ويحمل عَلَى رأسه للناس بالأجرة ما يتقوت به، ويبيت في المساجد يتخللها حتى لا يفطن به، فمرض في بعض المساجد، فلما اشتد مرضه دخل خانًا بالبصرة، فاكترى فيه بيتًا وألقى نفسه عَلَى بارية فلما آيس من نفسه، دعا صاحب الخان، فناوله خاتمه ورقعة مختومة فَقَالَ له: إذا مت فاخرج إِلَى صاحبكم -يعني الأمير- بالبصرة فأه خاتمي وعرِّفهُ موضعي وناولُه هذه الرقعة. فلما مات خرج الرجل إِلَى باب الأمير، فأدى النصيحة فأدخله فأراه الخاتم، فلما نظر إِلَيْهِ عرفه فَقَالَ: ويلك أين صاحب هذا الخاتم؟ قال: في الخان ميت، وناوله الرقعة مختومة مكتوب عليها: لا يفكها إلا المأمون أمير المؤمنين، فأرسله الأمير ميتًا في دجلة إِلَى المأمون، وكتب إِلَيْهِ يعرفه قصته وأنه وجده في غرفة عَلَى بارية في بعض الخانات، ما تحته مهاد ولا عنده باكية، مسجي مغمض العينين مستنير الوجه طيب الرائحة، وبعث معه الخاتم والرقعة، ففكها المأمون فإذا فيها: يا أمير المؤمنين اقرأ سورة الفجر إِلَى قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (١) فاعتبر بها، واعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.


(١) الفجر: ١٤.