للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا كله نفي لحقيقة الاسم من جهة المعنى الَّذِي يجب اعتباره، فإن اسم الرقوب والمفلس والغني والشديد ونحو ذلك، إِنَّمَا تعارفه الناس فيمن عدم ماله وولده، أو حصل له مالٌ أو قوةٌ في بدنه، والنفوس تجزع من الأولين وترغب في الآخرين، فيعتقد أنَّه هو المستحق لهذا الاسم دون غيره فبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن حقيقة ذلك المعنى ثابتة لغير هذا المتوهم، { ... وجه ... المقدر بذلك لغير} (١)، فإن من عدم المال والولد يوم القيامة حيث يضر عدمه أحق باسم المفلس والرقوب ممن يعدمهما حيث قد لا يتضرر بذلك ضررًا معتبرًا.

وكذلك وجود غنى النفس وقُوَّتِهَا، أحق بالمدح والطلب من قوة البدن وغنى المال.

وهكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الربا في النسيئة" "ولا ربا إلا في النسيئة" (٢).

فإن الربا العام الشامل للجنسين والجنس الواحد المتفقة صفاته إِنَّمَا يكون في النسيئة، وأما ربا الفضل فلا يكون إلا في الجنس الواحد، ولا يفعله أحد إلا إذا اختلفت الصفات كالمضروب بالتبر، والجيد الرديء، فأما مع استواء الصفات فلا يبيع أحدٌ درهمًا بدرهمين وأيضًا فربا الفضل إِنَّمَا حرم؛ لأنّه ذريعة إِلَى ربا النساء، كما في "المسند" (٣) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين، إني أخاف عليكم الرماء، وهو الربا".

فالربا المقصود بالقصد الأول هو ربا النسيئة، فَإِذَا باع مائة بمائة وعشرين مع اتفاق الصفات، ظهر أن الزيادة قابلت الأجل الَّذِي لا منفعة فيه، وإنَّما دخل فيه للحاجة، ولهذا لا يضمن الآجال باليد ولا بالإتلاف، فلو بقيت العين في يده أو المال في ذمته مدة، لم يضمن الأجل بخلاف زيادة الصفة فإنها مضمونة في الإتلاف والغصب، وفي المبيع إذا قابلت غير الجنس.


(١) ما بين المعقوفتين غير واضح بالأصل.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) (٢/ ١٠٩) وذكر الهيثمي في المجمع (٤/ ١١٣) وقال: وفيه أبو جناب، وهو ثقة ولكنه مدلس.