للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يزين له ما فيه من اللذة التي يظن أنها مصلحة، ولا يجزم بوقوع عقوبته بل يرجو العفو بحسنات أو توبة أو بعفو الله ونحو ذلك.

وهذا كله من اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولو كان له علم كامل لعرف به رجحان ضرر السيئة، فأوجب له ذلك الخشية المانعة من مواقعتها ونبين هذا:

بالوجه السادس هو: أن لذات الذنوب لا نسبة لها إِلَى ما فيها من الآلام والمفاسد البتة، فإن لذاتها سريعة الانقضاء، وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك، ولهذا قيل: "إن الصبر عَلَى المعاصي أهون من الصبر عَلَى عذاب الله".

وقيل: رب شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً.

وما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه المفسدة، ومُؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الَّذِي فيه من السمون ما يُمرض أو يقتل.

ومن هاهنا يعلم: أنَّه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهلٌ بحقيقة عواقبها، كما لا يؤثر أكل الطعام المسموم للذته إلا من هو جاهل بحاله، أو غير عاقل، ورجاؤه التخلص من شرها بتوية أو عفو، أو غير ذلك، كرجاء آكل الطعام المسموم الطيب الخلاص من شر سُمه بعلاجٍ أو بغير، وهو في غاية الحمق والجهل، فقد لا يتمكن من التخلص منه بالكلية فيقتله سمه، وقد لا يتخلص منه تخلصًا تامًا فيطول مرضه، وكذلك المذنب قد لا يتمكن من التوية، فإن من وقع في ذنب تجرأ عَلَى غيره، وهان عليه خوض الذنوب، وعسر عليه الخلاص منها، ولهذا قيل من عقوبة الذنب: الذنب بعده، وقد دل عَلَى ذلك القرآن في غير موضع، وإذا قُدِّر أنَّه تاب منه فقد لا يتمكن من التوية النصوح (الحاصلة) (*) التي تمحو أثره بالكلية، وإن قُدِّر أنَّه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة عَلَى الندم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة المشقة من الألم والمشقة.


(*) كتب فوقها: كذا وكتب في الهامش: لعلها الخالصة.