للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذا قال الحسن: ترك الذنب أيسر من طلب التوبة.

ويكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة التي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها.

وقد اختلف الناس في التائب هل يمكن عَوْدُه إِلَى ما كان عليه قبل المعصية عَلَى قولين معروفين، والقول بأنه لا يمكن عوده إِلَى ما كان عليه قول أبي سليمان الداراني وغيره.

وكذلك اختلفوا في التوبة إذا استكملت شروطها هل يجزم بقبولها؟ عَلَى قولين:

فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين عَلَى أنَّه لا يجزم بذلك، ولكن كثير من أهل السنة والمعتزلة وغيرهم عَلَى أنَّه يقطع بقبولها.

وإن قُدِّر أنَّه عُفي عنه من غير توبة، فإن كان ذلك بسبب أمر مكفرٍ عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقل أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة.

وإن عفي عنه بغير سبب من هذه الأسباب المفكرة ونحوها، فإنَّه لابد أن تلحقه عقوبات كثيرة منها ما فاته من ثواب المحسنين، فإن الله تعالى وإن عفى عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات.

كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (١).

وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (٢).

ولهذا قال بعض السَّلف: هب أن المسيء قد عفي عنه، أليس قد فاته ثواب المحسنين؟ ولولا أن الله تعالى رضَّى أهل الجنة كلهم بما حصل لهم من


(١) الجاثية: ٢١.
(٢) ص: ٢٨.