للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المراء. وفي رواية قال: أنا أعلم بالمراء منك ولكني لا أماريك.

وقال إبراهيم النخعي: ما خاصمت قط،

وقال عبد الكريم الجزري: ما خاصم ورع قط.

وقال جعفر بن محمد: إياكم والخصومات في الدين؛ فإنها تشغل القلب وتورث النفاق.

وكان عمر بن عبد العزيز يقول: إذا سمعت المراء فأقصر. وقال من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل.

وقال: إن السابقين عن علم وقفوا، وببصر نافذ قد كفوًا، وكانوا هم أقوى عَلَى البحث لو بحثوا، وكلام السَّلف في هذا المعنى كثير جدًّا.

وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا، وظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك، وهذا جهل محض. وانظر إِلَى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكر، وعمر، وعلي، ومعاذ، وابن مسعود، وزيد بن ثابت كيف كانوا؟ كلامهم أقل من كلام ابن عباس وهم أعلم منه.

وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة، والصحابة أعلم منهم. وكذلك تابعوا التابعين كلامهم أكثر من كلام التابعين، والتابعون أعلم منهم. فليس العِلْم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال، ولكنه نور يقذف في القلب يَفْهَم به العبدُ الحق، ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد.

وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم (١) واختصر له الكلام اختصارًا.

ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام والتوسع في القيل والقال (٢)، وقد قال


(١) أخرجه البخاري (٦٩٩٨)، ومسلم (٥٢٣).
(٢) يشير المصنف -رحمه الله- لحديث النبي صلّى الله عليه وسلم الَّذِي أخرجه البخاري (١٤٧٧)، ومسلم (١٧١٥) عن أبي هريرة، وفيه: "إن الله كره لكم ثلاث: قيل وقال .. " الحديث.