للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضاً؛ فإن هؤلاء كلهم أقل كلامًا ممن جاء بعدهم.

وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح، وإساءة ظن بهم، ونسبته لهم إِلَى الجهل وقصور العِلْم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة: "إنهم أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علومًا، وأقلها تكلفًا" ورُوي نحوه عن ابن عمر (١) أيضاً.

وفي هذا إشارة إِلَى أن من بعدهم أقل علومًا وأكثر تكلفًا، وقال ابن مسعود أيضاً: "إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه" (٢) فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم.

وقد شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل اليمن بالإيمان والفقه (٣)، وأهل اليمن أقل الناس كلامًا وتوسعًا في العلوم (لكن) (*) علمهم علم نافع في قلوبهم، ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إِلَيْهِ من ذلك، وهذا هو الفقه والعلم النافع.

فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث، والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثورم عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إِلَى أن ينتهي إِلَى زمن أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم، الذين سميناهم فيما سبق.

فضبط ما رُوي عنهم في ذلك أفضل العِلْم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحًا لكلام يتعلق من كلامهم.

وأما ما كان مخالفًا لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (١/ ٣٠٥).
(٢) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٧٨٩)، والطبراني (٩/ ٨٥٦٧).
(٣) أخرجه البخاري (٤٣٨٨)، ومسلم (٥٢).
(*) لأنّ: "نسخة".