للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رواية أخرى أنّه كتب إليه: "إِنّك قذ بلغْت بِظَاهِرِ عِلْمِكَ عِنْدَ النّاسِ منْزِلةً وشَرَفًا، فَاطْلُبْ بِباطِنِ عِلْمِك عِنْد اللهِ مَنْزِلةً وزُلْفَى، واعْلمْ أن إِحْدى الْمنْزِلتيْنِ تَمْنعُ الْأُخْرى".

فأشار وهب بعلم الظاهر إلى علم الفتاوى والأحكام، والحلال والحرام، والقصص والوعظ وهو ما يظهر على اللسان.

وهذا العلم يوجب لصاحبه محبة الناس له، وتقدمه عندهم، فحذره من الوقوف عند ذلك، والركون إليه والالتفات إلى تعظيم الناس ومحبتهم؛ فإن من وقف مع ذلك فقد انقطع عن الله وانحجب بنظره إلى الخلق عن الحق.

وأشار بعلم الباطن إلى العلم الذي يباشر القلوب، فيحدث لها الخشية والإجلال والتعظيم، وأمره أن يطلب بهذا المحبة من الله والقرب منه والزلفى لديه.

وكان كثير من السلف كسفيان الثوري وغيره يقسمون العلماء ثلائة أقسام:

عَالِمٌ بِاللهِ وَعَالِم بِأمْرِ اللهِ.

ويشيرون بذلك إلى من جمع بين هذين العلمين المشار إليهما الظاهر والباطن، وهؤلاء أشرف العلماء، وهم الممدوحون في قوله تعالى: {إِنّما يخْشى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلماءُ} (١).

وقوله: {إِنّ الّذِين أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قبْلِهِ إِذا يُتْلى عليْهِمْ يخِرُّون لِلْأذْقانِ سُجّدًا} إلى قوله: {ويزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (٢).

وقال كثير من السلف: لَيْسَ الْعِلْمُ كَثْرَةَ الرِّوايةِ ولَكِنّ الْعِلْمَ الْخَشْيةُ.

وقال بعضهم: كفى بِخشْيةِ اللهِ عِلْمًا، وكفى بِالاغْتِرارِ بِاللهِ جهْلًا.

ويقولون أيضًا: عَالِمٌ بِاللهِ لَيْسَ بِعالمٍ بِأمْرِ اللهِ.


(١) فاطر: ٢٨.
(٢) الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩.