وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ: كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
التَّرْتِيبَ فِي غَيْرِ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ، وَغَيْرُ الْحَيَوَانِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَقْدِيمَ بَيْعِ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالْأَحْسَنُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ، وَعَلَيْهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِيمَا يَرَاهُ الْأَصْلَحَ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّرْتِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ كَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ، فَإِنْ كَانَ قَدَّمَ بَيْعَهُ بَعْدَ مَا يَخْشَى فَسَادَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُسِّمَ أَوْ بَقِيَ شَيْءٌ ضَارَبَ بِهِ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ.
(وَلْيَبِعْ) نَدْبًا (بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ) بِتَثْلِيثِ الْحَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ أَوْ وَكِيلِهِ (وَغُرَمَائِهِ) أَوْ وَكِيلِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُبَيِّنُ مَا فِي مَالِهِ، وَمِنْ عَيْبٍ فَلَا يُرَدُّ، وَمِنْ صِفَةٍ مَطْلُوبَةٍ فَيُرْغَبُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَمَنِ مَالِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ غَبْنٌ؛ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ فِي السِّلْعَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ بَلْ لِلْحَاكِمِ تَمْلِيكُ الْغُرَمَاءِ أَعْيَانَ مَالِهِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً اهـ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي، إذْ بَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْفَرَائِضِ قَسْمُ الْحَاكِمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ، وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ، وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
تَنْبِيهٌ لَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالْمُفْلِسِ بَلْ كُلُّ مَدْيُونٍ مُمْتَنِعٌ بِبَيْعِ الْقَاضِي عَلَيْهِ. لَكِنْ فِي غَيْرِ الْمُفْلِسِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْبَيْعُ بَلْ الْقَاضِي مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إكْرَاهِهِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُفْلِسِ لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ فِيهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَخْيِيرَهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ، فَإِنْ عَيَّنَهُ تَعَيَّنَ. قَالَ الْقَاضِي: وَعُزِيَ ذَلِكَ إلَى الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ. قَالَ ابْنُهُ فِي التَّوْشِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ فِي إحْدَى الْخِصَالِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ بِتَعْيِينِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي خَلَاصِ حَقِّهِ، فَلْيَعْتَمِدْ الْقَاضِي بِمَا شَاءَ مِنْ الطُّرُقِ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ، وَلْيَبِعْ نَدْبًا (كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ) ؛ لِأَنَّ طَالِبَهُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتُّهْمَةَ فِيهِ أَبْعَدُ، وَيُشْهَرُ بَيْعُ الْعَقَارِ لِيَظْهَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute