للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا، وَهُوَ تَمْلِيكٌ، فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ.

وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ، وَقِيلَ قَوْلٌ تَوْكِيلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

[فَصْلٌ فِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ]

(فَصْلٌ) فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا «بِأَنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: ٢٨] إلَخْ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ الْفُرْقَةَ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِهِنَّ مَعْنَى. فَإِنْ قِيلَ: لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بِدَلِيلِ: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: ٢٨] .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا) الْمُنَجَّزِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً كَطَلِّقِي أَوْ أَبِينِي نَفْسَك (إلَيْهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ الْغَدُ أَوْ زَيْدٌ فَطَلِّقِي نَفْسَك، وَلَا التَّفْوِيضُ لِصَغِيرَةٍ، أَوْ حُكْمُ مَجْنُونَةٍ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ (تَمْلِيكٌ) لِلطَّلَاقِ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ التَّمْلِيكِ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهَا كَغَيْرِهِ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ مَلَّكْتُك طَلَاقَك (فَيُشْتَرَطُ) عَلَيْهِ (لِوُقُوعِهِ) تَكْلِيفَهُ وَتَكْلِيفَهَا وَ (تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَ هُنَا جَوَابٌ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ كَقَبُولِهِ، وَقَبُولُهُ فَوْرٌ، فَإِنْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ كَثِيرٌ بَيْنَ تَفْوِيضِهِ وَتَطْلِيقِهَا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ، فَلَوْ قَالَتْ: كَيْفَ أُطَلِّقُ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ وَقَعَ، وَالْفَصْلُ بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ لِقِصَرِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِفَسَادِ الْعِبَارَةِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِ نَفْسِك لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى أَوْ مَتَى مَا شِئْت لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّمْلِيكُ اشْتِرَاطَهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ سُومِحَ فِي تَمْلِيكِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا ذُكِرَ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ.

(وَإِنْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ) فَوْرًا وَهِيَ جَائِزَةُ التَّصَرُّفِ (بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ) وَيَكُونُ تَمْلِيكُهَا بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ فَهُوَ كَالْهِبَةِ (وَفِي قَوْلٍ) نُسِبَ لِلْقَدِيمِ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا (تَوْكِيلٌ) كَمَا لَوْ فَوَّضَ طَلَاقَهَا لِأَجْنَبِيٍّ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لَهَا فِيهِ غَرَضًا وَلَهُ بِهَا اتِّصَالًا، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِي تَطْلِيقِهَا (فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>