وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُهُ فِي إصْلَاحِ الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، هَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ. فَأَمَّا عَقَارُهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْعَلُ وَقْفًا، وَتُقَسَّمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ.
فَصْلٌ الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ صَرْفَ الزَّائِدِ لَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: الَّذِي فَهِمْتُهُ عَنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِرِجَالِهِمْ حَتَّى لَا يُصْرَفَ مِنْهُ لِلذَّرَارِيِّ أَيْ الَّذِينَ لَا رَجُلَ لَهُمْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ إلَى الْمُرْتَزِقَةِ عَنْ كِفَايَةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقُ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُهُ) أَيْ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ (فِي إصْلَاحِ الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ) وَهُوَ الْخَيْلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ لَهُمْ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ بَلْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ كَالْغَنِيمَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُبْقِي فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ الْفَيْءِ مَا وَجَدَ لَهُ مَصْرِفًا فَيَصْرِفُ مَالَ كُلِّ سَنَةٍ إلَى مَصَارِفِهِ وَلَا يَدَّخِرُ شَيْئًا خَوْفًا لِنَازِلَةٍ تَأَسِّيًا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُمَا مَا كَانَا يَدَّخِرَانِ شَيْئًا، ثُمَّ إنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِأَمْرِهَا، وَإِنْ غَشِيَهُمْ الْعَدُوُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَنْ يَنْفِرُوا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَصْرِفًا ابْتِدَاء رِبَاطَات الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَسَبِ رَأْيِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَدَّخِرَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَوَادِثِ اهـ.
فَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عَنْ كِفَايَتِهِمْ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرْزَاقِهِمْ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (هَذَا) السَّابِقُ كُلُّهُ (حُكْمُ مَنْقُولِ) مَالِ (الْفَيْءِ. فَأَمَّا عَقَارُهُ) مِنْ أَرْضٍ أَوْ بِنَاءٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) أَيْ جَمِيعَهُ (يُجْعَلُ وَقْفًا) أَيْ يُنْشِئُ الْإِمَامُ وَقْفَهُ (وَتُقَسَّمُ غَلَّتُهُ) كُلَّ سَنَةٍ (كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ قِسْمَةِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُمْ فَتُصْرَفُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَلَّةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ وَخُمْسُهَا لِلْمَصَالِحِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل.
تَنْبِيهٌ: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَشْيَاءُ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْحُصُولِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ وَقْفٍ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ: يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْحُصُولِ كَرِقِّ النِّسَاءِ بِنَفْسِ الْأَسْرِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَذْهَبِ. ثَانِيهَا: تَحَتُّمُ الْوَقْفِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ رَأَى قِسْمَتَهُ أَوْ بَيْعَهُ وَقِسْمَةَ ثَمَنِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُقَسَّمُ سَهْمُ الْمَصَالِحِ، بَلْ يُوقَفُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصَالِحِ، أَوْ تُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَيْهَا، وَلَكِنَّ الْوَقْفَ أَوْلَى. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْفِ الْوَقْفُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْوَقْفُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِالْقِسْمَةِ لَا الْوَقْفُ الشَّرْعِيُّ.
[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا]
(الْغَنِيمَةُ) لُغَةً الرِّبْحُ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَشَرْعًا (مَالٌ) وَمَا الْتَحَقَ بِهِ كَخَمْرَةٍ مُحْتَرَمَةٍ (حَصَلَ) لَنَا (مِنْ كُفَّارٍ) أَصْلِيِّينَ حَرْبِيِّينَ مِمَّا هُوَ لَهُمْ (بِقِتَالٍ) مِنَّا (وَإِيجَافٍ) بِخَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute