فَصْل يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ أَمَانُ حَرْبِيٍّ وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ فَقَطْ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَيْءٌ وَهُوَ وَقْفٌ: إمَّا بِنَفْسِ حُصُولِهِ وَإِمَّا بِإِيقَافِهِ وَمُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ أَنَّهَا عَلَى الْعَنْوَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَفْتُوحَ عَنْوَةً غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَقَرَّ الدُّورَ بِيَدِ أَهْلِهَا عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ " وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً.
تَتِمَّةٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَضَعَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، وَفِي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَكَانَ اللَّيْثُ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا: وَقِيلَ فُتِحَتْ صُلْحًا. ثُمَّ نَكَثُوا فَفَتَحَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَانِيًا عَنْوَةً، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا، فَمَنْ قَالَ: فُتِحَتْ صُلْحًا نَظَرَ لِأَوَّلِ الْأَمْرِ، وَمَنْ قَالَ عَنْوَةً نَظَرَ لِآخَرِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الشَّامُ فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ: أَنَّ مُدُنَهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَأَرْضَهَا عَنْوَةً، وَلَكِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّ دِمَشْقَ فُتِحَتْ عَنْوَةً.
[فَصْل فِي الْأَمَانِ]
[فَصْلٌ] فِي الْأَمَانِ، وَهُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَرْكُ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ، هُوَ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَمَصَالِحِهِ، وَالْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمْنَ ثَلَاثَةٌ: أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ، أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ، فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمَانِ آيَةُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا - أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ - فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ، وَأَمَّا الذِّمَّةُ فِي قَوْلِهِمْ ثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَهَا مَعْنَى آخَرَ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ. (يَصِحُّ) وَلَا يَجِبُ (مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ) وَلَوْ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ امْرَأَةً (أَمَانُ حَرْبِيٍّ) وَاحِدٍ غَيْرِ أَسِيرٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا، فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمْ لَا، عَيَّنَ الْإِمَامُ قَتْلَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَمْ لَا (وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ) مِنْهُمْ كَأَهْلِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ (فَقَطْ) فَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَلَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لَنَا، وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ، وَيَلْحَقُ بِالْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ، وَبِالْمُخْتَارِ الْمُكْرَهُ، وَبِالْمَحْصُورِ غَيْرُهُمْ كَأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ نَاحِيَةٍ، فَلَا يُؤَمِّنُهُمْ الْآحَادُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ فِيهَا بِأَمَانِهِمْ. قَالَ: الْإِمَامُ: وَلَوْ أَمَّنَ مِائَةُ أَلْفٍ مِنَّا مِائَةَ أَلْفٍ مِنْهُمْ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لَمْ يُؤَمِّنْ إلَّا وَاحِدًا، لَكِنْ إنْ ظَهَرَ انْسِدَادٌ وَانْتِقَاضٌ فَأَمَانُ الْجَمِيعِ مَرْدُودٌ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَمَّنُوهُمْ دُفْعَةً. فَإِنْ وَقَعَ مُرَتَّبًا فَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ إلَى ظُهُورِ الْخَلَلِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ: وَقَالَ: إنَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute