وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يَمِينُهُ بِآفَةٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، أَوْ يَسَارُهُ فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ.
بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ
ــ
[مغني المحتاج]
لَا يُخْتَنُ فِي أَحَدِ فَرْجَيْهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْجُرْحَ مَعَ الْإِشْكَالِ مُمْتَنِعٌ، وَلَوْ قِيلَ بِإِجْرَاءِ وَجْهٍ ثَالِثٍ: إنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، لَمْ يُبْعَدْ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا، وَقَدْ الْتَبَسَتْ بِالْأَصْلِيَّةِ اهـ.
وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ السَّارِقَ إنَّمَا قُطِعَتْ يَدُهُ مَعَ الْإِشْكَالِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ الْأَصْلِيَّةِ إلَّا بِالزَّائِدَةِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ، فَإِنْ أَمْكَنَ قَطْعُ الْأَصْلِيَّةِ وَقَطَعْنَاهَا، ثُمَّ سَرَقَ ثَانِيًا، وَقَدْ صَارَتْ الزَّائِدَةُ أَصْلِيَّةً بِأَنْ صَارَتْ بَاطِشَةً أَوْ كَانَتْ الْكَفَّانِ أَصْلِيَّتَيْنِ وَقُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فِي سَرِقَةٍ قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْخِلْقَة الْمُعْتَادَةِ الْغَالِبَةِ.
(وَلَوْ سَرَقَ) شَخْصٌ (فَسَقَطَتْ يَمِينُهُ) مَثَلًا (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ قُطِعَتْ فِي قِصَاصٍ (سَقَطَ الْقَطْعُ) فِي الْيَدِ السَّاقِطَةِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ لِأَنَّ الْقَطْعَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا فَسَقَطَ بِفَوَاتِهَا كَمَوْتِ الْمُرْتَدِّ، وَكَذَا لَوْ شُلَّتْ بَعْدَ السَّرِقَةِ وَخِيفَ مِنْ قَطْعِهَا تَلَفُ النَّفْسِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَمِينَ لَهُ، فَإِنَّ رِجْلَهُ تُقْطَعُ (أَوْ) سَقَطَتْ (يَسَارُهُ) بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ مَعَ بَقَاءِ الْيَمِينِ (فَلَا) يَسْقُطُ قَطْعُ الْيَمِينِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ فِي قَوْلٍ، وَحُكْمُ الرِّجْلِ حُكْمُ الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ.
خَاتِمَةٌ لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا سُئِلَ الْجَلَّادُ، فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا، غَرِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ إنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ فَكَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ الدِّيَةُ لِقَطْعِهِ عُضْوًا مَعْصُومًا وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ قَطْعِ الْيَمِينِ لِئَلَّا تُقْطَعَ يَدَاهُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ. أَوْ قَالَ: عَلِمْتهَا الْيَسَارَ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ. هَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ بَدَلَهَا عَنْ الْيَمِينِ أَوْ إبَاحَتَهَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ، وَلَمْ تُجْزِهِ الْيَسَارُ. عَنْ الْيَمِينِ، بَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ حَدًّا لِأَنَّهَا الَّذِي وَجَبَ قَطْعُهَا وَهِيَ بَاقِيَةً فَلَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا كَالْقِصَاصِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْجَلَّادَ يُسْأَلُ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ حَكَاهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَحَكَى مَعَهَا طَرِيقَةً أُخْرَى، وَهِيَ إنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ، أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُومِئُ إلَى الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَإِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ.
[بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]
(بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ. قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَتْ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ، لَا فِي الْكُفَّارِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute