وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى حَدِّ شُرْبِ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا.
ــ
[مغني المحتاج]
قِيلَ لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَالْأَصَحُّ كَوْنُهُ حَقَّ آدَمِيٍّ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَقِبَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُهُ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ (عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ) بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَمُقَابِلُهُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى (وَأَنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا) مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ، وَمُقَابِلُهُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَلَا يُوَالِي بَيْنَ حَدِّ الشُّرْبِ وَحَدِّ الْقَذْفِ بَلْ يُمْهَلُ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالتَّوَالِي.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي تَقْدِيمِ حَدِّ الزِّنَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الرَّجْمَ، فَإِنْ كَانَ جَلْدًا قُدِّمَ عَلَى الْقَتْلِ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي تَقْدِيمِ قَطْعِ الْقِصَاصِ عَلَى حَدِّ الزِّنَا إذَا كَانَ جَلْدًا، فَإِنْ كَانَ رَجْمًا قُدِّمَ الْقَطْعُ قَطْعًا.
خَاتِمَةٌ: لَوْ اجْتَمَعَ قَتْلُ قِصَاصٍ فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ وَقَتْلُ مُحَارَبَةٍ قُدِّمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَرَجَعَ الْآخَرُ إلَى الدِّيَةِ، وَفِي انْدِرَاجِ قَطْعِ السَّرِقَةِ فِي قَتْلِ الْمُحَارَبَةِ فِيمَا لَوْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا نَعَمْ، وَمَنْ زَنَى مَرَّاتٍ أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْ كُلِّ جِنْسٍ حَدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا وَاحِدٌ فَتَدَاخَلَتْ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَهُوَ مُقَابِلُ الزِّنْيَاتِ كُلِّهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ بَعْضُهَا عَنْهُ كَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يُقَابِلُ كُلَّ الْوَطْئَاتِ، وَهَلْ وَجَبَ حُدُودٌ عَلَى عَدَدِ الزِّنْيَاتِ ثُمَّ تَدَاخَلَتْ، أَوْ حَدٌّ وَاحِدٌ فَقَطْ، وَتُجْعَلُ الزِّنْيَاتُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهَا حَدٌّ كَحَرَكَاتِ زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، وَمَا فِي فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ثَبَتَ زِنَاهًا بِلِعَانِ زَوْجَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا حَدَّانِ أَنْكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالُوا: إنَّهُمَا حَدَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَدَاخَلَا.
وَإِنْ جُلِدَ لِلزِّنَا ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا قَبْلَ التَّغْرِيبِ أَوْ جُلِدَ لَهُ خَمْسِينَ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا كَفَاهُ فِيهِمَا جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبٌ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ فِي الْمِائَةِ الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ، وَفِي التَّغْرِيبِ لِلثَّانِي التَّغْرِيبُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ مُحْصَنًا قَبْلَ أَنْ يُجْلَدَ دَخَلَ التَّغْرِيبُ تَحْتَ الرَّجْمِ لِئَلَّا تَطُولُ الْمُدَّةُ مَعَ أَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ صِفَةٌ، فَيُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَدْخُلُ الْجَلْدُ فِي الرَّجْمِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَقِيلَ يَدْخُلُ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا فَفِي دُخُولِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَالْحَدَّيْنِ.
وَيَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِإِقْرَارِ الْقَاطِعِ بِهِ لَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْكِتَابِ وَبِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَا رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَيَمِينٍ وَأَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّفْصِيلُ، وَتَعْيِينُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى السَّرِقَةِ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِأَنْفُسِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا، وَإِنْ بَحَثَ لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُجِيبَا، فَإِنْ قَالَا: نَهَبُونَا وَأَخَذُوا مَالَنَا أَوْ مَالَ رُفْقَتِنَا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمَا وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِلْعَدَاوَةِ.
[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ والتعازير] ١
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute