فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ قَالَ دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَهُوَ لَغْوٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْأَخْرَسِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ لَيْسَتْ لَغْوًا، وَلَوْ لُقِّنَ إقْرَارًا أَوْ غَيْرَهُ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْهُ، وَأَمْكَنَ عَدَمُ فَهْمِهِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ اخْتِلَاطٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.
وَلَوْ قَالَ: أَقْرَرْت، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مُكْرَهٌ، وَأَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ، أَوْ كَانَتْ أَمَارَةٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ تَرْسِيمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِظُهُورِ مَا قَالَهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الصِّبَا وَلَمْ يُعْهَدْ الْجُنُونُ، وَلَمْ تَكُنْ أَمَارَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ، وَالْأَمَارَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِكَوْنِ الْمُقِرِّ حِينَ إقْرَارِهِ كَانَ بَالِغًا فِي الْأُولَى أَوْ عَاقِلًا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مُخْتَارًا فِي الثَّالِثَةِ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يُصَدَّقُ لِتَكْذِيبِهِ الْبَيِّنَةَ.
[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ أَيْضًا فَقَالَ: فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهُوَ كُلُّ مَا جَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ (أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ) حِينَ يُقِرُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ إزَالَةً عَنْ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْخَبَرِ (فَلَوْ قَالَ: دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو، فَهُوَ لَغْوٌ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ لَهُ فَيُنَافِي إقْرَارَهُ لِغَيْرِهِ إذْ هُوَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، فَحُمِلَ عَلَى الْوَعْدِ وَالْهِبَةِ، وَلَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي، أَوْ وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي مِلْكٌ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ، فَيَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: دَارِي لِفُلَانٍ وَأَرَادَ الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ إضَافَةَ سُكْنَى ذَلِكَ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: دَارِي الَّتِي هِيَ مِلْكِي لَهُ لِلتَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فِي الْأُولَتَيْنِ إذَا لَمْ يَرُدُّهُ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ،
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوَافِقَ لِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ كَمَا سَيَأْتِي عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ: مَسْكَنِي أَوْ مَلْبُوسِي لِفُلَانٍ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْكُنُ، وَيَلْبَسُ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: الدَّيْنُ الَّذِي كَتَبْته عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو صَحَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَلَوْ طَالَبَ عَمْرٌو زَيْدًا، فَأَنْكَرَ فَإِنْ شَاءَ عَمْرٌو أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى زَيْدٍ لَهُ ثُمَّ يُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِالْمُقَرِّ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمُقَرِّ بِهِ ثُمَّ بَيِّنَةً بِالْإِقْرَارِ.
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute