للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ،

ــ

[مغني المحتاج]

فَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ لَمْ يَصِحَّ. أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْمَرْهُونِ، وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَالِكِ صَحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْثِقَ بِأَرْشِهَا، وَلَوْ قَالَ: بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ نَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ مَالٌ لِرَجُلٍ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْعَيْنِ، وَمَا هُنَاكَ فِي الدَّيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ السُّبْكِيُّ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ: أَنَا الْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يُصَدَّقْ بَلْ الْمُصَدَّقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ مُعَيَّنًا نَوْعَ تَعْيِينٍ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الدَّعْوَى، وَالطَّلَبُ كَقَوْلِهِ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَيَّ كَذَا.

فُرُوعٌ لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ امْرَأَةٌ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ سَقَطَ حَقُّهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْدُ، وَادَّعَى نِكَاحَهَا لَمْ يُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحًا مُجَدَّدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ لَهَا فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ لِآخَرَ بِقِصَاصٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ وَكَذَّبَهُ سَقَطَ، وَكَذَا حَدُّ سَرِقَةٍ، وَفِي الْمَالِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِعَبْدٍ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ، فَلَا يُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ، فَإِذَا أَقَرَّ وَنَفَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَحَدِ عَبْدَيْنِ وَعَيَّنَهُ فَرَدَّهُ وَعَيَّنَ الْآخَرَ لَمْ يُقْبَلْ فِيمَا عَيَّنَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَصَارَ مُكَذِّبًا لِلْمُقِرِّ فِيمَا عَيَّنَهُ لَهُ.

[فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ:

فَصْلٌ

فِي الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ) وَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ اللَّامَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَأَلْفٍ أَوْ ثَوْبٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ كَعَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَهُ (وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ) الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عُرْفًا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ فِي عَلَيَّ الْوَدِيعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>