كِتَابُ الْكَفَّارَةِ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الْكَفَّارَةِ]
ِ أَيْ جِنْسُهَا، لَا كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ، وَهُوَ السِّتْرُ لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ، وَهَلْ الْكَفَّارَاتُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ زَوَاجِرُ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، أَوْ جَوَابِرُ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ، وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَافْتَتَحَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] وَصَدَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ خِصَالَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ مُبْتَدِئًا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا فَقَالَ (يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا) بِأَنْ يَنْوِيَ الْعِتْقَ أَوْ الصَّوْمَ أَوْ الْإِطْعَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ تَطْهِيرًا كَالزَّكَاةِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، فَلَا يَكْفِي الْإِعْتَاقُ أَوْ الصَّوْمُ أَوْ الْكِسْوَةُ أَوْ الْإِطْعَامُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ، نَعَمْ لَوْ نَوَى الْوَاجِبَ بِالظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ كَفَى، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ سَبٍّ نَذْرٍ أَوْ قَتْلٍ أَجْزَأَهُ نِيَّةُ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِطْعَامِ بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ بَلْ صَوَّبَهُ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ صَحَّحَ هُنَا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ اقْتِرَانُهَا بِذَلِكَ، وَإِذَا قَدَّمَهَا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُ قَرْنِهَا بِعَزْلِ الْمَالِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي أَوَاخِرَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ (لَا تَعْيِينُهَا) بِأَنْ تُقَيِّدَ بِظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ أَصْلِهَا، فَلَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَكَانَ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً وَقَعَتْ عَنْ إحْدَاهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينُهَا فِي النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُعْظَمِ خِصَالِهَا بَارِعَةٌ إلَى الْغَرَامَاتِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِأَصْلِ النِّيَّةِ نَعَمْ لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ خَطَأٌ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْطَأَ فِي الْحَدَثِ حَيْثُ يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِارْتِفَاعِهِ يَرْتَفِعُ غَيْرُهُ، وَهُنَا لَمْ يُكَفِّرْ عَمَّا عَلَيْهِ
تَنْبِيهٌ: الذِّمِّيُّ الْمُظَاهِرُ كَالْمُسْلِمِ يُكَفِّرُ بَعْدَ عَوْدِهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّعَامِ، وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute