للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ مُوجَبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عِنْدَ سُقُوطِهِ،

ــ

[مغني المحتاج]

أَوْ دُهِشْتُ أَوْ عَلِمْتُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِصَاصُ الْيَسَارِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَهُوَ كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا، وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ، وَيُفَارِقُ عَدَمَ لُزُومِهِ فِيمَا لَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا مَعَ قَصْدِ الْمُخْرِجِ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ بِأَنَّ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ تَسْلِيطٌ، بِخِلَافِ إخْرَاجِهَا دَهْشَةً أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَخْرِجْ يَسَارَكَ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةَ فَلِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِ الْقَاطِعِ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُخْرِجِ تَسْلِيطٌ وَلَا يَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ قَطَعْتُهَا عِوَضًا كَمَا مَرَّ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي الْيَسَارِ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ مُتَعَمِّدًا، وَكَذَا مَنْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْنِ بِأُنْمُلَةٍ، وَقَالَ: أَخْطَأْت وَتَوَهَّمْت أَنِّي أَقْطَعُ أُنْمُلَةً وَاحِدَةً تَجِبُ دِيَةُ الْأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عَلَيْهَا، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِتَعَمُّدِهِ قُطِعَتْ مِنْهُ الْأُنْمُلَةُ الزَّائِدَةُ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا قِصَاصَ الْيَمِينِ فَوَقْتُهُ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ لِمَا فِي تَوَالِي الْقَطْعَيْنِ مِنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ.

وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مَجْنُونًا، وَقَالَ: أَخْرِجْ يَسَارَكَ أَوْ يَمِينَك فَأَخْرَجَهَا لَهُ فَقَطَعَهَا أُهْدِرَتْ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِتَسْلِيطِهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا لَهُ وَقَطَعَ يَمِينَهُ لَمْ يَصِحَّ اسْتِيفَاؤُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَوَجَبَ لِكُلٍّ دِيَةٌ وَسَقَطَتَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ يَدَهُ فِيمَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنْ جَرَى فِي السَّرِقَةِ. فَقَالَ الْجَلَّادُ لِلسَّارِقِ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا، فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِمَا جَرَى لِلْحَدِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَدِّ التَّنْكِيلُ وَتَعْطِيلُ الْآلَةِ الْبَاطِشَةِ. وَقَدْ حَصَلَ وَالْقِصَاصُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ.

[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ]

(فَصْلٌ) فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ (مُوجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مُقْتَضَى (الْعَمْدِ) فِي نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا (الْقَوَدُ) عَيْنًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ: الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَسُمِّيَ قَوَدًا؛ لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ (وَالدِّيَةُ) أَوْ الْأَرْشُ (بَدَلٌ عَنْهُ عِنْدَ سُقُوطِهِ) بِعَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَوْتِ الْجَانِي، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الْأَرْشَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيَشْمَلَ الْجِرَاحَاتِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ الْقَوَدِ. وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>