للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا حَمَاهُ لِلْحَاجَةِ.

وَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ

فَصْلٌ مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ الْمُرُورُ، وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ بِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا

ــ

[مغني المحتاج]

رَفْعَ (مَا حَمَاهُ) وَكَذَا مَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْضِهِ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ اخْتِصَاصَ النَّقْضِ بِالْحَامِي فَإِنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَقَوْلُهُ (لِلْحَاجَةِ) إلَيْهِ: أَيْ عِنْدَهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ بِأَنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى، وَلِلْحَاجَةِ مُتَعَلَّقٌ بِنَقْضٍ لَا بِمَا حَمَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ.

الثَّانِي: الْمَنْعُ لِتَعَيُّنِهِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ كَمَا لَوْ عَيَّنَ بُقْعَةً لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَحْيَاهُ مُحْيٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ؛ مَلَكَهُ وَكَانَ الْإِذْنُ مِنْهُ نَقْضًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ. أَمَّا مَا حَمَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يُنْقَضُ وَلَا يُغَيَّرُ بِحَالٍ وَلَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ، فَمَنْ زَرَعَ فِيهِ أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى؛ قُلِعَ، وَحَكَى صَاحِبُ الرَّوْنَقِ قَوْلًا وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا غَرِيبٌ لَكِنَّهُ مَلِيحٌ فَإِنَّ فِعْلَهُمْ أَعْلَى مِنْ فِعْلِ كُلِّ إمَامٍ بَعْدَهُمْ.

(وَلَا يَحْمِي) الْإِمَامُ (لِنَفْسِهِ) قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ السَّابِقُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ غَيْرُهُمَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُدْخِلَ مَوَاشِيَهُ مَا حَمَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ، وَيُنْدَبُ لَهُ وَلِنَائِبِهِ أَنْ يَنْصِبَ أَمِينًا يُدْخِلُ فِيهِ دَوَابَّ الضُّعَفَاءِ، وَيَمْنَعُ مِنْهُ إدْخَالَ دَوَابِّ الْأَقْوِيَاءِ، فَإِنْ رَعَاهُ قَوِيٌّ مَنَعَ مِنْهُ وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَجِّ: أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ، عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الرَّعْيِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أُحْمِيَ لَهُ، وَمَا هُنَاكَ فِي الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ، وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ فِي التَّعْزِيرِ. اهـ. وَلَعَلَّهُمْ سَامَحُوا فِي ذَلِكَ كَمَا سَامَحُوا فِي الْغُرْمِ.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

ِ (مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ) الْأَصْلِيَّةُ (الْمُرُورُ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الصُّلْحِ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ عَنْ الشَّارِعِ بِالطَّرِيقِ النَّافِذِ، وَذُكِرَتْ هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا، وَخَرَجَ بِالْأَصْلِيَّةِ الْمَنْفَعَةُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ بِهِ) وَلَوْ فِي وَسَطِهِ (لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَانْتِظَارِ رَفِيقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>