للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ

وَلَهُ تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ بِبَارِيَّةٍ وَغَيْرِهَا

وَلَوْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ

ــ

[مغني المحتاج]

وَسُؤَالٍ، وَلَهُ الْوُقُوفُ فِيهِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلِلْإِمَامِ مُطَالَبَةُ الْوَاقِفِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ أَوْ الِانْصِرَافِ، هَذَا كُلُّهُ (إذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ) فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْجُلُوسِ فِي الشَّارِعِ (إذْنُ الْإِمَامِ) لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

تَنْبِيهٌ شَمَلَ إطْلَاقُهُ الذِّمِّيَّ وَفِي ثُبُوتِ هَذَا الِارْتِفَاقِ لَهُ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ: الثُّبُوتُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ فِي الشَّارِعِ وَلَوْ لِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ عِوَضًا قَطْعًا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ رَأَيْنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ وُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَبِيعُ مِنْ الشَّارِعِ مَا يَقُولُ: إنَّهُ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَيْعُ الْمَوَاتِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَفَاعِلُ ذَلِكَ لَا أَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الرِّحَابُ الْوَاسِعَةُ بَيْن الدُّورِ فِي الْمُدُنِ، فَإِنَّهَا مِنْ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الشَّامِلِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ إقْطَاعِ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ بُقْعَةً ارْتِفَاقًا لَا بِعِوَضٍ وَلَا تَمْلِيكًا فَيَصِيرُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَيَجُوزُ الِارْتِفَاقُ أَيْضًا بِغَيْرِ الشَّارِعِ، كَالصَّحَارِيِ لِنُزُولِ الْمُسَافِرِينَ إنْ لَمْ يَضُرَّ النُّزُولُ بِالْمَارَّةِ. وَأَمَّا الِارْتِفَاقُ بِأَفْنِيَةِ الْمَنَازِلِ فِي الْأَمْلَاكِ، فَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَصْحَابِهَا مُنِعُوا مِنْ الْجُلُوسِ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ عَلَى عَتَبَةِ الدَّارِ؛ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا، وَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَيُجْلِسَ غَيْرَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَى الْجُلُوسِ فِي فِنَاءِ الدَّارِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ، وَحُكْمُ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَفِنَاءِ الدَّارِ.

(وَلَهُ) أَيْ الْجَالِسُ فِي الشَّارِعِ (تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ) أَيْ مَوْضِعِ قُعُودِهِ فِي الشَّارِعِ (بِبَارِيَّةٍ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا: نَوْعٌ يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ كَالْحَصِيرِ (وَغَيْرِهَا) مِمَّا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، كَثَوْبٍ وَعَبَاءَةٍ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُثَبَّتًا بِبِنَاءٍ؛ لَمْ يَجُزْ كَبِنَاءِ الدَّكَّةِ، وَلَهُ وَضْعُ سَرِيرٍ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِصَاحِبِ الْكَافِي، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَيَخْتَصُّ الْجَالِسُ بِمَكَانِهِ وَمَكَانِ مَتَاعِهِ وَمُعَامِلِيهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ وَاقِفًا بِقُرْبِهِ إنْ مَنَعَ رُؤْيَةَ مَتَاعِهِ، أَوْ وُصُولَ الْمُعَامِلِينَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَنْ قَعَدَ لِبَيْعِ مِثْلِ مَتَاعِهِ إذَا لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَلَوْ سَبَقَ إلَيْهِ) أَيْ مَكَانٍ مِنْ الشَّارِعِ (اثْنَانِ) وَتَنَازَعَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>