[فَصْلٌ] مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ ضَمِنَ إتْلَافَهَا نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا.
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصَلِّ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ]
ُ (مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ) سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا، أَمْ مُسْتَأْجِرًا، أَمْ مُودَعًا، أَمْ مُسْتَعِيرًا، أَمْ غَاصِبًا (ضَمِنَ إتْلَافَهَا) بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا) لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا كَانَ فِعْلُهَا مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَإِلَّا نُسِبَ إلَيْهَا كَالْكَلْبِ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ وَقَتَلَ الصَّيْدَ حَلَّ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَلَا فَجِنَايَتُهَا كَجِنَايَتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ سَائِقَهَا أَمْ قَائِدَهَا أَمْ رَاكِبَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ مَعَ رَاكِبٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالرَّاكِبِ أَوْ يَجِبُ أَثْلَاثًا؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ دُونَ الرَّدِيفِ؟ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمَا.
تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَطْلَقُوا الضَّمَانَ لِلنَّفْسِ فِي هَذَا الْبَابِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَنَصْبِ الْحَجَرِ كَمَا نَقَلَاهُ فِي آخَرِ الْبَابِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ مَعَ دَابَّةٍ أَنَّهَا إذَا تَفَلَّتَتْ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا لَا ضَمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ مَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ فَدَخَلَ فِيهِ إنْسَانٌ فَرَمَحَتْه أَوْ عَضَّتْهُ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ قَالَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَرِدْ، وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ: نَفْسًا وَمَالًا صَيْدَ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَشَجَرَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَيْسَ نَفْسًا وَلَا مَالًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا وَهُوَ لَمْ يَقُلْ لِآدَمِيٍّ فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا لَوْ أَرْكَبَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. ثَانِيهَا لَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ فَنَخَسَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا قَيَّدَ الْبَغَوِيّ فَرَمَحَتْ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ، وَقِيلَ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ أَذِنَ الرَّاكِبُ فِي النَّخْسِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. ثَالِثُهَا لَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَاسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا فَأَتْلَفَتْ فِي انْصِرَافِهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ الرَّادُّ. رَابِعُهَا: لَوْ سَقَطَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً فَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَكَذَا لَوْ سَقَطَ هُوَ مَيِّتًا عَلَى شَيْءٍ وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِسُقُوطِهَا مَيِّتَةً سُقُوطُهَا بِمَرَضٍ أَوْ عَارِضِ رِيحٍ شَدِيدٍ وَنَحْوِهِ. خَامِسُهَا: لَوْ كَانَ الرَّاكِبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِهَا فَعَضَّتْ اللِّجَامُ وَرَكِبَتْ رَأْسَهَا فَهَلْ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ؟ قَوْلَانِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ اصْطِدَامُ الرَّاكِبَيْنِ تَرْجِيحُ الضَّمَانِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ. سَادِسُهَا: لَوْ كَانَ مَعَ الدَّوَابِّ رَاعٍ فَهَاجَتْ رِيحٌ وَأَظْلَمَ النَّهَارُ فَتَفَرَّقَتْ الدَّوَابُّ وَوَقَعَتْ فِي زَرْعٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِي الْأَظْهَرِ لِلْغَلَبَةِ كَمَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَفْسَدَتْ شَيْئًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَفَرَّقَتْ الْغَنَمُ لِنَوْمِهِ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ رَكِبَ صَبِيٌّ أَوْ بَالِغٌ دَابَّةَ إنْسَانٍ بِلَا إذْنِهِ فَغَلَبَتْهُ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute