للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْإِقْرَارِ يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَاغٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

ِ هُوَ لُغَةً: الْإِثْبَاتُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَرَّ الشَّيْءُ يَقِرُّ قَرَارًا إذَا ثَبَتَ، وَشَرْعًا: إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَعْوَى أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَشَهَادَةُ. هَذَا إذَا كَانَ خَاصًّا فَإِنْ اقْتَضَى شَيْئًا عَامًّا، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ الْفَتْوَى، وَيُسَمَّى الْإِقْرَارُ اعْتِرَافًا أَيْضًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: ٨١] ، وقَوْله تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَالْقِيَاسُ؛ لِأَنَّا إذَا قَبَلْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَأَنْ نَقْبَلَ الْإِقْرَارَ أَوْلَى، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: مُقِرٌّ وَمُقَرٌّ لَهُ وَصِيغَةٌ وَمُقَرٌّ بِهِ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْضًا الِاخْتِيَارُ، وَأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) عَلَى هَذَا (إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِعُذْرٍ كَشُرْبِ دَوَاءٍ وَإِكْرَاهٍ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ (لَاغٍ) لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ وَسَيَأْتِي حُكْمُ السَّكْرَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.

تَنْبِيهٌ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْشَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالتَّصَرُّفِ إذَا أَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ فَلَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إنْشَاؤُهُ، وَمِنْ الثَّانِي إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ، وَالْمَجْهُولُ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ رَقِّهِ وَبِنَسَبِهِ، وَالْمُفْلِسُ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْمَى بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَارِثِ بِدَيْنٍ عَلَى مُوَرِّثِهِ، وَالْمَرِيضِ بِأَنَّهُ كَانَ وَهَبَ وَارِثَهُ وَأَقْبَضَهُ فِي الصِّحَّةِ، فَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ إقْرَارُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ إنْشَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُمْ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ هُوَ فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا فِي الْبَاطِن فَبِالْعَكْسِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ بَاطِنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>