فَصْلٌ تَصِحُّ بِمَنَافِعِ عَبْدٍ وَدَارٍ وَغَلَّةِ حَانُوتٍ، وَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ، وَأَكْسَابَهُ الْمُعْتَادَةَ.
وَكَذَا مَهْرُهَا
ــ
[مغني المحتاج]
الْبَاقِي لِغَيْرِ الْوَرَثَةِ، وَإِذَا أَوْصَى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِهِ فَالتَّرْتِيبُ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ وَارِثًا صُرِفَ الْمُوصَى بِهِ لِلْأَقْرَبِ مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِينَ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُونَ الْوَصِيَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ.
[فَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَبَيَانَ مَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ وَمَا يَنْفَعُهُ]
فَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَذَكَرَ مَعَهُ بَيَانَ مَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمَا يَنْفَعُهُ مُبْتَدِئًا مِنْ ذَلِكَ بِالْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ (تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَنَافِعِ عَبْدٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ الدَّوَابِّ (وَدَارٍ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْعَقَارَاتِ (وَ) نَحْوِ (غَلَّةِ حَانُوتٍ) كَثَمَرَةِ بُسْتَانٍ مُؤَقَّتَةٍ وَمُؤَبَّدَةٍ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُقَابَلَةٌ بِالْأَعْوَاضِ، فَكَانَتْ كَالْأَعْيَانِ، وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَنَافِعَ بِمَا يُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ، وَغَلَّةِ عُطِفَ عَلَى مَنَافِعَ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِمُغَايَرَتِهَا لَهَا.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمَنَافِعُ وَالْغَلَّةُ مُتَقَارِبَانِ، وَكُلُّ عَيْنٍ فِيهَا مَنْفَعَةٌ فَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ إمَّا بِفِعْلِهِ كَالِاسْتِغْلَالِ أَوْ بِعِوَضٍ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَذَلِكَ الشَّيْءُ يُسَمَّى غَلَّةً، فَالْمُوصَى لَهُ بِهِ يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَأُجْرَةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ وَمَا يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُ غَلَّةٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَنْفَعَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ (وَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ) الْمُوصَى بِهَا، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ إبَاحَةٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، لَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِذَلِكَ تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ وَيُورَثَ عَنْهُ وَيُوصِي بِهَا، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْفَعَةِ دُونَ أَنْ يَنْتَفِعَ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِأَنْ تَنْتَفِعَ بِهِ حَيَاتَكَ أَوْ بِأَنْ تَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ بِأَنْ يَخْدُمَكَ هَذَا الْعَبْدُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ وَلَا الْإِعَارَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ بِأَنَّهُ هُنَا عَبَّرَ بِالْفِعْلِ وَأَسْنَدَهُ إلَى الْمُخَاطَبِ فَاقْتَضَى قُصُورَهُ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ.
تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُهُ الْمَنْفَعَةَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤَبَّدَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَطَعَا بِهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ خِلَافًا لِمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ هُنَا مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمُؤَقَّتَةِ إبَاحَةٌ فَلَا يُؤَجَّرُ (وَ) يُمَلَّكُ أَيْضًا (أَكْسَابَهُ الْمُعْتَادَةَ) كَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَأُجْرَةِ حِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا إبْدَالُ الْمَنَافِعِ الْمُوصَى بِهَا بِخِلَافِ النَّادِرَةِ كَالْهِبَةِ وَاللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ بِالْوَصِيَّةِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ: مَا زِلْتُ أَسْتَشْكِلُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَأَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَنْتَفِعُ وَيَمْلِكُ الْمَنَافِعَ، فَمَا الَّذِي بَقِيَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ حَتَّى رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قَائِلًا يَقُولُ: لَوْ ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ مَعْدِنٌ مَلَكَهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ اهـ. وَلَهُ أَيْضًا عِتْقُهُ وَبَيْعُهُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ.
(وَكَذَا مَهْرُهَا) أَيْ الْأَمَةِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute