للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ] تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ، وَفِي عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَتِمَّةٌ: لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَخْذُ رِزْقٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ. وَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ كَالْقَاضِي وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مُطْلَقًا، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ ذَلِكَ بِلَا تَفْصِيلٍ، وَلَهُ بِكُلِّ حَالٍ أَخْذُ أُجْرَةٍ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إنْ دُعِيَ لَهُ، فَإِنْ تَحَمَّلَ بِمَكَانِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ لِلْأَدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا، وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَفَارَقَ التَّحَمُّلُ بِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْأَدَاءِ يُورِثُ تُهْمَةً قَوِيَّةً مَعَ أَنَّ زَمَنَهُ يَسِيرٌ وَلَا تَفُوتُ بِهِ مَنْفَعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ، بِخِلَافِ زَمَنِ التَّحَمُّلِ إلَّا إنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ عَدْوَى فَأَكْثَرَ فَلَهُ نَفَقَةُ الطَّرِيقِ وَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ. نَعَمْ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا، وَلَهُ صَرْفُ مَا يُعْطِيه لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ إلَى غَيْرِ النَّفَقَةِ وَالْأُجْرَةِ، وَكَذَا مَنْ أَعْطَى شَيْئًا فَقِيرًا لِيَكْسُوَ بِهِ نَفْسَهُ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِغَيْرِ الْكُسْوَةِ، ثُمَّ إنْ مَشَى الشَّاهِدُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرُّكُوبِ، قَدْ تَنْخَرِمُ الْمُرُوءَةُ فَيَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ فِيمَنْ هَذَا شَأْنُهُ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِبَلَدَيْنِ، بَلْ قَدْ يَأْتِي فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، فَيُعَدُّ ذَلِكَ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ إلَّا أَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، أَوْ يَفْعَلَهُ تَوَاضُعًا.

[فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]

[فَصْلٌ] فِي جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا (تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَتَعَذَّرُ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فَيُشْهَدُ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلِأَنَّهَا طَرِيقٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ كَالْإِقْرَارِ فَيُشْهَدُ عَلَيْهَا، لَكِنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ (فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ) لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ إحْصَانٍ كالأقارير وَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالرَّضَاعِ وَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ، سَوَاءٌ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَوَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ وَذِي الْحَجَّةِ لِلْحَجِّ (وَفِي) إثْبَاتِ (عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ. أَمَّا الْعُقُوبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَخَرَجَ مِنْهُ قَوْلٌ فِي عُقُوبَةِ الْآدَمِيِّ، وَدُفِعَ التَّخْرِيجُ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ. بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فِيمَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ فَكَالْحَدِّ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ

تَنْبِيهٌ: يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ ثُبُوتِ إحْصَانِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ مَنْعُ ثُبُوتِ بُلُوغِهِ؛؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعُقُوبَةِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِحْصَانِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَنْ لِعَانِهِ مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُلَاعِنْ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>