شَرْطُهُ الْإِيجَابُ:
ــ
[مغني المحتاج]
الْعَقْدِ وَمَا دَخَلَهُ التَّقْدِيرُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا يُقَدَّرُ الْمَيِّتُ حَيًّا لِيَمْلِكَ الدِّيَةَ وَتُورَثُ عَنْهُ، وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ يُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَدَخَلَ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوِهِ، وَخَرَجَتْ الْإِجَارَةُ بِقَيْدِ التَّأْقِيتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا.
وَلِهَذَا لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْقَرْضُ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا، وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ بِقَيْدِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَالزَّوْجَةُ وَالْجَانِي لَا يَمْلِكَانِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدَانِ رَفْعَ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ خَرَجَ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا، وَهَذَا الْحَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِمَا لَا يَخْفَى. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ بَيْعٍ إلَّا مَا خُصَّ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بُيُوعٍ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لَهَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَدَلُّ بِهَا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُسْتَدَلُّ وَأَحَادِيثُ كَحَدِيثِ سُئِلَ النَّبِيُّ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» أَيْ لَا غِشَّ فِيهِ وَلَا خِيَانَةَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَحَدِيثِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» .
[[كتاب البيع]]
وَأَرْكَانُهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ: عَاقِدٌ وَهُوَ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ، وَصِيغَةٌ وَهِيَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْعَاقِدِ. ثُمَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ الصِّيغَةِ، لَكِنَّهُ بَدَأَ بِهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْعَاقِدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَالْغَزَالِيِّ بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ وَالتَّعْبِيرُ بِالرُّكْنِ أَوْلَى. نَعَمْ قَدْ يُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيُسَاوِي التَّعْبِيرَ بِالرُّكْنِ، فَقَالَ: (شَرْطُهُ) أَيْ الْبَيْعِ صِيغَةٌ، وَهِيَ (الْإِيجَابُ) مِنْ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute