. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَذَا قَالُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لِيَخْرُجَ رَدُّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْعًا اهـ.
وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ الْقَرْضُ كَمَا لَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا بِمِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَإِنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَا بِبَيْعٍ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. فَإِنْ أُجِيبَ عَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَالَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، رُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْحَدِّ غَيْرَ جَامِعٍ لِجَوَازِ جَعْلِ الثَّمَنِ مَنْفَعَةً. وَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ بِدُخُولِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمَالِ، فَقَالَ: الْأَمْوَالُ تَنْقَسِمُ إلَى أَعْيَانٍ وَمَنَافِعَ، وَأَيْضًا الْمُقَابَلَةُ الْمُطْلَقَةُ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا فِي عَقْدٍ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ يَقْتَضِي انْتِقَالَ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ تَمْلِيكًا.
أُجِيبَ عَنْ الْقَرْضِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ حَالَةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْمُقَابَلَةِ مُفَاعَلَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْجَانِبَيْنِ وَالْقَرْضُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الدَّفْعُ وَتَسْمِيَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ خَاصَّةً، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الْعِوَضَيْنِ لِتَحَقُّقِ الْمُفَاعَلَةِ، وَعَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ وَالْمَجَازِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهَا.
وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، فَقَدْ مَنَعَ جَمَاعَةٌ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَنَافِعُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَنْفَعَةٍ لَمْ يُقْبَلْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَقَوْلُهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّ الْمَنْفَعَةَ تُحْسَبُ قِيمَتُهَا مِنْ الثُّلُثِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَالْمَالِ الْمُفَوَّتِ لَا أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَالٌ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَأَيْضًا الْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ لَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُسَمَّى مَالًا حَقِيقَةً لَمْ تَرِدْ عَلَى الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِ الِاصْطِلَامِ. .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ صِحَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute