فَصْلٌ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: أَيْ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ، فَلَا يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ الْمَعْنَوِيَّةِ]
ِ (الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ) عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ (يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ انْتِقَالَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ (أَيْ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ) ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي الشَّامِلِ: لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ مِلْكُ الرِّقَابِ وَإِنْ أُطْلِقَ تَوَسُّعًا، فَالْمَالِكُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ (فَلَا يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
وَجْهُ بَقَاءِ الْمِلْكِ لِلْوَاقِفِ أَنَّهُ حَبَسَ الْأَصْلَ وَسَبَّلَ الثَّمَرَةَ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَوَجْهُ الثَّالِثِ الْإِلْحَاقُ بِالصَّدَقَةِ. فَإِنْ قِيلَ الْوَقْفُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَهُوَ يَدُلُّ لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالثُّبُوتِ هُوَ الرِّيعُ، وَهُوَ حَقٌّ آدَمِيٌّ، وَلَوْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً انْفَكَّ عَنْهَا اخْتِصَاصُ الْآدَمِيِّ قَطْعًا، وَمِثْلُهَا الرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَنَحْوُهُمَا.
(وَمَنَافِعُهُ) أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمِلْكَ بِقَوْلِهِ (يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، وَلَكِنْ لَا يُؤَجِّرُ إلَّا إذَا كَانَ نَاظِرًا أَوْ أَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ. نَعَمْ لِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ لِيُؤَجِّرَهَا لِلْعِمَارَةِ إنْ اقْتَضَاهَا الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ لَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْخَرَابِ، وَفُهِمَ مِنْ تَجْوِيزِ الْإِعَارَةِ الْإِجَارَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ كَالْفُقَرَاءِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ بَلْ الِانْتِفَاعَ، أَوْ قُيِّدَ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ بِالْقَرْيَةِ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ بِأُجْرَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ هَذَا مَنْعُ إعَارَتِهَا.
وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِالْمُسَامَحَةِ بِإِعَارَةِ بَيْتِ الْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا وَلِيَ دَارَ الْحَدِيثِ وَفِيهَا قَاعَةٌ لِلشَّيْخِ لَمْ يَسْكُنْهَا وَأَسْكَنَهَا غَيْرَهُ، فَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: لِتُشْغَلْ وَيُعْطَى الْمُعَلِّمُ غَلَّتَهَا لَمْ يَسْكُنْهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ حَصَلَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ نَقْصٌ فِي عَيْنِ الْمَوْقُوفِ كَرَصَاصِ الْحَمَّامِ وَاسْتَوْفَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَذْهَبَتْهُ النَّارُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute