فَصْلٌ إذَا عَادَ إلَى مِنًى بَاتَ بِهَا لَيْلَتَيْ التَّشْرِيقِ، وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِيَ وَأَرَادَ النَّفْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ، وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا،
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]
(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (إذَا عَادَ إلَى مِنًى) بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومٍ (بَاتَ بِهَا) حَتْمًا (لَيْلَتَيْ) يَوْمَيْ (التَّشْرِيقِ) وَالثَّالِثَةَ أَيْضًا لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَالْوَاجِبُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسَاعَةٍ فِي نِصْفِهِ الثَّانِي مُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَقَعَ فِيهَا بِخُصُوصِهَا، إذْ بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالنِّصْفِ، وَهِيَ كَثِيرَةُ مَشَقَّةٍ، فَسُومِحَ فِي التَّخْفِيفِ لِأَجْلِهَا، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِإِشْرَاقِ نَهَارِهَا بِنُورِ الشَّمْسِ وَلَيْلِهَا بِنُورِ الْقَمَرِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ النَّاسَ يُشَرِّقُونَ اللَّحْمَ فِيهَا فِي الشَّمْسِ، وَهَذِهِ الْأَيَّامُ هِيَ الْمَعْدُودَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] وَأَمَّا الْمَعْلُومَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨] فَهِيَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ وَتَالِيَاهُ (إلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ) وَالْأُولَى مِنْهَا تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، وَهِيَ الْكُبْرَى، وَالثَّانِيَةُ الْوُسْطَى، وَالثَّالِثَةُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى، بَلْ مِنًى تَنْتَهِي إلَيْهَا، وَيَرْمِي (كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ) لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَمَجْمُوعُ الْمَرْمِيِّ بِهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً. وَيُسَنُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي هَذِهِ الْجَمَرَاتِ (فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ) الْأَوَّلَ، وَ (الثَّانِيَ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَأَرَادَ النَّفْرَ) مَعَ النَّاسِ (قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا) وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٢٠٣] وَلِإِتْيَانِهِ بِمُعْظَمِ الْعِبَادَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا بَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ.
فَإِنْ لَمْ يَبِتْهُمَا لَمْ يَسْقُطْ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ نَفَرَ بَعْدَ الْمَبِيتِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ كَمَا يُفْهِمُهُ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِبَعْدِ الرَّمْيِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ النَّفْرِ إلَى الثَّالِثِ، لَا سِيَّمَا لِلْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِعُذْرٍ كَغَلَاءٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute