كِتَابُ الْكِتَابَةِ
هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الْكِتَابَةِ]
ِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا كَالْعَتَاقَةِ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ، وَالنَّجْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ مَالُ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِكِتَابَةِ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ، وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ مَعْدُولَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّيِّدَ بَاعَ مَالَهُ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ وَالْكَسْبَ لَهُ. الثَّانِي: يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ مَالٌ ابْتِدَاءً. الثَّالِثُ: يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْمِلْكِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الرِّقِّ، لَكِنْ جَوَّزَهَا الشَّارِعُ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالسَّيِّدُ قَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ مَجَّانًا، وَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ يَفْدِي بِهِ نَفْسَهُ، فَإِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْكِتَابَةِ اسْتَفْرَغَ الْوُسْعَ وَتَنَاهَى فِي تَحْصِيلِ الِاكْتِسَابِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ، فَاحْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهَا كَمَا احْتَمَلَ الْجَهَالَةَ فِي رِبْحِ الْقِرَاضِ وَعَمَلِ الْجِعَالَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ عَبْدٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَيَّةَ.
(هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) لَا وَاجِبَةٌ، وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قِيَاسًا عَلَى التَّدْبِيرِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْمِلْكُ وَتَتَحَكَّمَ الْمَمَالِيكُ عَلَى الْمَالِكِينَ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ (إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا سَيَأْتِي (أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ) وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ، وَاعْتُبِرَتْ الْأَمَانَةُ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَا يُحَصِّلُهُ فَلَا يُعْتَقُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ لِيُوثَقَ بِتَحْصِيلِ النُّجُومِ، وَيُفَارِقُ الْإِيتَاءَ حَيْثُ أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ وَأَحْوَالُ الشَّرْعِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا كَالزَّكَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute