للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ هِيَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً، وَلِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ، وَوَقْتُهَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

إسْرَافًا فِي الْعُرْفِ، وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ النَّشَاءِ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْقَمْحِ فِي الثَّوْبِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَتَرْكُ دَقِّ الثِّيَابِ وَصَقْلِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ: أَيْ وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «إذَا طَوَيْتُمْ ثِيَابَكُمْ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا لِئَلَّا تَلْبَسَهَا الْجِنُّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُمْ بِالنَّهَارِ فَتَبْلَى سَرِيعًا» .

[بَابٌ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

(بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ لَتَكَرُّرِهِ كُلَّ عَامٍ، وَقِيلَ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ بِعَوْدِهِ، وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوُ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. وَالْأَصْلُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] [الْكَوْثَرَ] أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَالذَّبْحَ. وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا فَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ (هِيَ سُنَّةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ عَنْ الصَّلَاةِ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ. فَقَالَ لَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» (مُؤَكَّدَةٌ) لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا (وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) . نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهَا يَتَوَالَى فِيهَا التَّكْبِيرُ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ أَثِمُوا وَقُوتِلُوا عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ (وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى مِنْ تَرْكِهَا بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا هُوَ فَلَا يُسَنُّ لَهُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً وَتُسَنُّ لَهُ مُنْفَرِدًا (وَ) تُشْرَعُ أَيْضًا (لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) وَالْخُنْثَى وَالصَّغِيرِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الْجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ وَغَيْرِهِمَا، وَيُسَنُّ الِاجْتِمَاعُ لَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَيُكْرَهُ تَعَدُّدُهُ بِلَا حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبًا: أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ نَدْبًا، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا أَمَرَهُمْ بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الِامْتِثَالُ (وَوَقْتُهَا) مَا (بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا) يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَوْقَاتِ، فَمَتَى خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا الْيَوْمُ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ خَالٍ عَنْ صَلَاةٍ تُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، وَأَمَّا كَوْنُ آخِرِ وَقْتِهَا الزَّوَالَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَسَيَأْتِي أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَعَدَلُوا بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَنَّهَا تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً (وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ) الشَّمْسُ (كَرُمْحٍ) أَيْ كَقَدْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>