[فَصْلٌ] تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ، وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ]
فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ، وَفِي ضَابِطِ الْحَالِفِ (تُغَلَّظُ) نَدْبًا (يَمِينُ مُدَّعٍ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَ) تُغَلَّظُ نَدْبًا أَيْضًا يَمِينُ (مُدَّعًى عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ تَغْلِيظَهَا (فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ) كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ، وَلِعَانٍ، وَقَوَدٍ، وَعِتْقٍ، وَإِيلَادٍ، وَوِصَايَةٍ، وَوَكَالَةٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّغْلِيظُ يَجْرِي فِي كُلِّ حَالَةٍ خَطَرٍ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْوِلَادَةُ وَالرَّضَاعُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَيَجْرِي فِيهَا التَّغْلِيظُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَبُولُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالنِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ لِقِلَّةِ خَطَرِهَا، بَلْ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا غَالِبًا، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِهَذَا الْجَوَابِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ، وَالْمَعْنَى فِي التَّغْلِيظِ أَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّعَدِّي، فَشُرِعَ التَّغْلِيظُ مُبَالَغَةً وَتَأْكِيدًا لِلرَّدْعِ، فَاخْتُصَّ بِمَا هُوَ مُتَأَكِّدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الْوَكَالَةِ، وَقَالَ: التَّغْلِيظُ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ، وَالْوَكَالَةُ فِي دِرْهَمٍ لَا تَزِيدُ عَلَى مِلْكِ الدِّرْهَمِ، فَلَا يَبْعُدُ مَنْعُ التَّغْلِيظِ فِيهَا، وَلَكِنْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
(وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ) لَا فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْمُوَاسَاةَ فِيهِ. نَعَمْ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ إنْ رَآهُ لِجَرَاءَةٍ يَجِدُهَا فِي الْحَالِفِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّغْلِيظُ فِي أَيِّ نِصَابٍ كَانَ مِنْ نَعَمٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً تَحْدِيدًا، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ قِيمَةً، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ اُعْتُبِرَ بِالذَّهَبِ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ مَا قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، وَحُقُوقُ الْأَمْوَالِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَالٍ هُوَ نِصَابٌ غَلُظَ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا، وَاحْتُجَّ لِلتَّغْلِيظِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ، فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي وَلَوْ مَعَ شَاهِدٍ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ التَّغْلِيظَ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَعَبْدٍ خَسِيسٍ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ ادَّعَى عَلَى سَيِّدِهِ عِتْقًا أَوْ كِتَابَةً فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ لَيْسَ بِمَالٍ، لَا عَلَى سَيِّدِهِ إذَا حَلَفَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ مَالٍ قَلِيلٍ، وَتُغَلَّظُ فِي الْوَقْفِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute