وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ.
وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَأَمَّا الْخُلْعُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ وَحَلَفَتْ أَوْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ هُوَ فَلَا تَغْلِيظَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ وَحَلَفَ أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ هِيَ غُلِّظَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَصْدَهَا الْفِرَاقُ وَقَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ. أَمَّا الْخُلْعُ بِالْكَثِيرِ فَتُغَلَّظُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَلَا تُغَلَّظُ عَلَى حَالِفٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ مُسْتَحَبٌّ وَلَوْ كَانَ حَلِفُهُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ النَّصِّ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهِ بِالطَّلَاقِ (وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ) بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَحُضُورِ جَمْعٍ (فِي) أَثْنَاءِ كِتَابِ (اللِّعَانِ) لَكِنْ لَا يُغَلَّظُ هُنَا بِحُضُورِ جَمْعٍ كَمَا صَوَّبَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ انْحِصَارُ التَّغْلِيظِ فِيمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُنْدَبُ التَّغْلِيظُ بِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَيْضًا كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ، أَوْ بِاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى كَذَا قَالَاهُ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَوْقِيفٍ، وَلَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي الطَّالِبِ الْغَالِبِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ أَسْمَاءِ الْمُفَاعَلَةِ الَّذِي غَلَبَهُ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ دُونَ الصِّفَةِ، فَالْتَحَقَ بِالْأَفْعَالِ، وَإِضَافَةُ الْأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْقِيفٍ، وَلِذَلِكَ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْمِيدَاتِهِمْ وَتَمْجِيدَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ اجْتِنَابُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْحَالِفِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] وَيُحْضَرَ الْمُصْحَفُ وَيُوضَعَ فِي حِجْرِ الْحَالِفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُطَرِّفٌ قَاضِي صَنْعَاءَ يُحَلِّفَانِ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ، وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ مِنْ الْأُمِّ: وَقَدْ كَانَ مِنْ حُكَّامِ الْآفَاقِ مَنْ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ عِنْدِي حَسَنٌ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَهَذَا التَّغْلِيظُ مُسْتَحَبٌّ. هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَقِ، أَوْ نَصْرَانِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَا يُحَلِّفُهُمْ بِمَا يَجْهَلُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ كَذَا أَوْ أَنْزَلَ كَذَا لِرَسُولٍ وَكِتَابٍ لَا يَعْرِفُهُمَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرِيضُ الَّذِي بِهِ مَرَضٌ شَاقٌّ وَالزَّمِنُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ لِعُذْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامُ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِاسْتِحْلَافَ بِذَلِكَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ (وَيَحْلِفُ) الشَّخْصُ (عَلَى الْبَتِّ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْجَزْمُ (فِي فِعْلِهِ) إثْبَاتًا كَانَ أَوْ نَفْيًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ وَاَللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute