فَصْلٌ يُقَدِّمُ دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ، وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
بَعْدَ اعْتِبَارِ التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ جَهِلَ مَا قَبْلَهُمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ الْمَحْضِ فِي الطَّهَارَةِ، وَهَذَا فِيمَنْ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ. أَمَّا غَيْرُهُ فَيَأْخُذُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِتَذَكُّرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ احْتِيَاطًا، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحَيْ الْمَذْهَبِ وَالْوَسِيطِ وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ إلَيْهِ: أَيْ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الشَّمْسِ بَطَلَ يَقِينًا وَمَا بَعْدَهُ مُعَارَضٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهْرٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إنْ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ: الْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَالضَّرَرُ يُزَالُ، وَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ وَالْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا، ثُمَّ قَالَ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، وَالْفِقْهُ عَلَى خَمْسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَرْجِعُ الْفِقْهُ كُلُّهُ إلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: بَلْ إلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَمُوجِبُ الطَّهَارَةِ وُضُوءًا وَغُسْلًا هَلْ هُوَ الْحَدَثُ أَوْ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا أَوْ هُمَا أَوْجُهٌ؟ أَصَحُّهَا ثَالِثُهَا
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ]
وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَقَالَ: (يُقَدِّمُ) نَدْبًا (دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ) عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ التَّكْرِيمِ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْيَمِينِ وَخِلَافُهُ بِالْيَسَارِ لِمُنَاسِبَةِ الْيَسَارِ لِلْمُسْتَقْذَرِ وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " أَنَّ مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يَسَارِهِ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ " وَفِي مَعْنَى الرِّجْلِ بَدَلُهَا مِنْ أَقْطَعِهَا. وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي نُقِلَ إلَى الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عُرْفًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سُمِّيَ بِاسْمِ شَيْطَانٍ فِيهِ يُقَالُ لَهُ: خَلَاءٌ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُتَخَلَّى فِيهِ. أَيْ يُتَبَرَّزُ، وَجَمْعُهُ أَخْلِيَةٌ كَرِدَاءٍ وَأَرْدِيَةٍ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الْمِرْفَقَ، وَالْكَنِيفَ، وَالْمِرْحَاضَ، وَتَعْبِيرُهُ بِهِ وَبِالدُّخُولِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣] [النِّسَاءُ] فَيُقَدِّمُ يَسَارَهُ إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَيُمْنَاهُ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ، وَدَنَاءَةُ الْمَوْضِعِ قَبْلَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ قَضَائِهَا فِيهِ كَالْخَلَاءِ الْجَدِيدِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ أَحَدٌ حَاجَتَهُ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ فِي الصَّحْرَاءِ هَكَذَا أَيْضًا فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِلصَّلَاةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُعِدَّ أَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ إنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا لِخَبَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute