فَصْلٌ شَكَّ فِي طَلَاقٍ فَلَا، أَوْ فِي عَدَدٍ فَالْأَقَلُّ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ.
وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ، فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَمْ يَشَأْ فِيهِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ هُنَا كَالْعُمْرِ فِيمَا مَرَّ.
[فَصْلٌ فِي الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ]
(فَصْلٌ) فِي الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَكٌّ فِي أَصْلِهِ، وَشَكٌّ فِي عَدَدِهِ، وَشَكٌّ فِي مَحَلِّهِ وَهَذَا كَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً ثُمَّ نَسِيَهَا، إذَا (شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ بِرُجْحَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي) وُقُوعِ (طَلَاقٍ) مِنْهُ أَوْ فِي وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهَا، كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَشَكَّ هَلْ كَانَ غُرَابًا أَوْ لَا (فَلَا) نَحْكُمُ بِوُقُوعِهِ. قَالَ الْمَحَامِلِيُّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ (أَوْ) لَمْ يَشُكَّ فِي طَلَاقٍ بَلْ تَحَقَّقَ وُقُوعَهُ، وَلَكِنْ شَكَّ (فِي عَدَدٍ) مِنْهُ، هَلْ طَلَّقَ طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ؟ (فَالْأَقَلُّ) يَأْخُذُ بِهِ (وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ) فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِالْأَسْوَأِ لِخَبَرِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَفِي الْأُولَى يُرَاجِعُ إنْ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِلَّا فَيُجَدِّدُ نِكَاحَهَا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ، وَإِلَّا فَلْيُنَجِّزْ طَلَاقَهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَنْكِحْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ شَيْئًا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا اهـ.
وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْقَعَهُ وَلَوْ طَلْقَةً، نَعَمْ فَائِدَةُ إيقَاعِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا وَتَطْلِيقِهِ إيَّاهَا عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِيَقِينٍ.
(وَلَوْ) عَلَّقَ اثْنَانِ بِنَقِيضِينَ كَأَنْ (قَالَ: إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا) مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ) الْحَالُ فِي الطَّائِرِ (لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ) لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ لَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَيْرُ غُرَابٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ فَتَعْلِيقُ الْآخَرِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ.
تَنْبِيهٌ: مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِهِ ابْنِ مَالِكٍ فِي اتِّصَالِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ خَبَرَ كَانَ، وَلَكِنَّ جُمْهُورَ النُّحَاةِ عَلَى الِانْفِصَالِ (فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا) لَا بِعَيْنِهَا لِوُجُودِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، إذْ لَيْسَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاسِطَةٌ (وَلَزِمَهُ) مَعَ الِاعْتِزَالِ عَنْهُمَا إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحَةِ بِغَيْرِهَا (الْبَحْثُ) عَنْ الطَّائِرِ (وَالْبَيَانُ) لِزَوْجَتِهِ إنْ أَمْكَنَ وَاتَّضَحَ لَهُ حَالُ الطَّائِرِ لِيَعْلَمَ الْمُطَلَّقَةَ دُونَ غَيْرِهَا، فَإِنْ طَارَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَلْزَمْهُ بَحْثٌ وَلَا بَيَانٌ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَفِي الرَّجْعِيَّةِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute