للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الرِّدَّةِ هِيَ: قَطْعُ الْإِسْلَامِ بِنِيَّةِ أَوْ قَوْلِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ، سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ عِنَادًا أَوْ اعْتِقَادًا.

ــ

[مغني المحتاج]

[كِتَابُ الرِّدَّةِ]

ِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا (هِيَ) لُغَةً الرُّجُوعُ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ، وَهِيَ أَفْحَشُ الْكُفْرِ وَأَغْلَظُهُ حُكْمًا، مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: ٢١٧] الْآيَةَ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ الَّذِي حَجَّهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَنَقَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُبُوطَ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ مُهِمَّةٌ غَفَلَ عَنْهَا الْأَصْحَابُ اهـ.

وَلَيْسَ فِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِكَلَامِهِمْ، فَإِنَّ كَلَامَهُمْ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ نَفْسَ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَأْخَذَ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي لُزُومِ الْحَجِّ بَعْدَ الرِّدَّةِ حُبُوطَ الْعَمَلِ وَكَلَامُ النَّصِّ فِي حُبُوطِ ثَوَابِ الْعَمَلِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ ثَوَابِ الْعَمَلِ سُقُوطُ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْقَضَاءِ مَعَ كَوْنِهَا لَا ثَوَابَ فِيهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَشَرْعًا (قَطْعُ) اسْتِمْرَارِ (الْإِسْلَامِ) وَدَوَامِهِ، وَيَحْصُلُ قَطْعُهُ بِأُمُورٍ (بِنِيَّةِ) كُفْرٍ، وَذِكْرُ النِّيَّةِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ لِيَدْخُلَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ يُكَفَّرُ حَالًا، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا التَّعْبِيرُ بِالْعَزْمِ، فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ النِّيَّةَ قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، فَإِنْ قَصَدَهُ وَتَرَاخَى عَنْهُ فَهُوَ عَزْمٌ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالْعَزْمِ (أَوْ) قَطْعِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ (قَوْلِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ) مُكَفِّرٍ فَقَوْلُهُ " قَطْعُ " جِنْسٌ يَشْمَلُ قَطْعَ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي، وَقَوْلُهُ: " الْإِسْلَامِ " فَصْلٌ يَخْرُجُ بِهِ قَطْعُ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَقَوْلُهُ: بِنِيَّةِ إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَكُونُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الرِّدَّةَ تَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَطْعٌ كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ يَبْقَى فَإِنَّهُ رِدَّةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَذَا مَنْ عَلَّقَ بَيْنَ مُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا الثَّانِي غَيْرُ وَارِدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُرْتَدِّ حُكْمًا وَلَا يُرَدُّ الْكَافِرُ الْمُنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُرْتَدًّا شَرْعًا، وَإِنَّمَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُرْتَدِّ.

ثُمَّ قَسَّمَ الْقَوْلَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ بِقَوْلِهِ (سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ عِنَادًا أَوْ اعْتِقَادًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>