كِتَابُ الْجِزْيَةِ صُورَةُ عَقْدِهَا: أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَذِنْتُ فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَاب عَقْد الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ]
(كِتَابُ) عَقْدِ (الْجِزْيَةِ) لِلْكُفَّارِ لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ عَقَّبَهُ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا الْقِتَالَ بِهَا بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] الْآيَةَ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ، وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ، وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] أَيْ لَا تَقْضِي، وَيُقَالُ: جَزَيْتُ دَيْنِي: أَيْ قَضَيْتُهُ، وَجَمْعُهَا جِزًى كَقَرْيَةِ وَقُرًى، وَلَيْسَتْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ وَلَا التَّقْرِيرِ عَلَيْهِ، بَلْ هِيَ نَوْعُ إذْلَالٍ لَهُمْ وَمَعُونَةٌ لَنَا، وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ مَعَ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ الدَّاعِيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] الْآيَةَ، وَقَدْ أَخَذَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ، وَعَاقِدٌ، وَمَعْقُودٌ لَهُ، وَمَكَانٌ، وَمَالٌ. وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِهَا فَقَالَ (صُورَةُ عَقْدِهَا) مِنْ الْمُوجِبِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ نَحْوُ (أُقِرُّكُمْ) كَأَقْرَرْتُكُمْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَوْ الْمُضَارِعِ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِالْمُضَارِعِ الْحَالَ أَوْ الِاسْتِقْبَالَ لِيَنْسَلِخَ عَنْ مَعْنَى الْوَعْدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ مِنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ صِيَغَ الْمُضَارِعِ تَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (بِدَارِ الْإِسْلَامِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَقَدْ يُقِرُّهُمْ بِالْجِزْيَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ أَذِنْتُ فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا) غَيْرَ الْحِجَازِ كَمَا سَيَأْتِي (عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute