للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا، لَا كَفِّ اللِّسَانِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ.

وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ،

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ تُعْطُوا بِمَعْنَى تَلْتَزِمُوا (جِزْيَةً) هِيَ كَذَا فِي كُلِّ حَوْلٍ.

قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: وَيَقُولُ: أَوَّلَ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ (وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ، وَكَذَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ دُونَ مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ، وَقَدْ فُسِّرَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا، وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا. قَالُوا: وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيَضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ فِي الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَعَ الِانْقِيَادِ وَالِاسْتِسْلَامِ كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَكْفِي فِيهَا الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: لَا تَنْحَصِرُ صِيغَةُ إيجَابِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَلَوْ قَالَ الْكَافِرُ ابْتِدَاءً: أَقْرِرْنِي بِكَذَا فَقَالَ الْإِمَامُ أَقْرَرْتُك كَفَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِيجَابَ كَالْقَبُولِ (وَالْأَصَحُّ ذِكْرُ اشْتِرَاطِ قَدْرِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ. وَالثَّانِي وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا خِلَافُ مَا يُفْهِمهُ كَلَامُهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْد الْإِطْلَاقِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَخْصِيصُهُ الْخِلَافَ بِذِكْرِ قَدْرِهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ فِيهِ خِلَافًا: لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَالتَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ (لَا كَفُّ اللِّسَانِ) مِنْهُمْ (عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ) فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِدُخُولِهِ فِي شَرْطِ الِانْقِيَادِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ، إذْ بِهِ تَحْصُلُ الْمُسَالَمَةُ وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

(وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ) لِلْجِزْيَةِ (مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُحْقَنُ بِهِ الدَّمُ فَلَا يَجُوزُ مُؤَقَّتًا كَعِقْدِ الْإِسْلَامِ وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّأْقِيتِ بِمَعْلُومٍ كَسَنَةٍ. أَمَّا الْمَجْهُولُ كَأُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ زَيْدٌ، أَوْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ، فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» فَإِنَّمَا جَرَى فِي الْمُهَادَنَةِ حِينَ وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ، لَا فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ، بَلْ يَجُوزُ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، وَلَوْ قَالَ: أُقِرُّكُمْ مَا شِئْتُمْ صَحَّ؛ لِأَنَّ لَهُمْ نَبَذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءُوا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ لَا تَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>