للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ، وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ رَسُولًا، أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ صُدِّقَ، وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ.

وَيُشْتَرَطُ لِعِقْدِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوا.

إلَّا جَاسُوسًا نَخَافُهُ.

وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى

ــ

[مغني المحتاج]

لِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَقْدَهَا عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى مَا يُحْتَمَلُ تَأْبِيدُهُ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ. (وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ النَّاطِقِ (لَفْظُ قَبُولٍ) كَقَبِلْت أَوْ رَضِيتُ بِذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ. أَمَّا الْأَخْرَسُ فَيَكْفِي فِيهِ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ نُطْقِهِ، وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ مَعَ النِّيَّةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْبَيْعِ، بَلْ أَوْلَى، وَكَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأَمَانِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ شَرْطِ اتِّصَالِ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَقْرَبُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ (وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ) قَالَ دَخَلْتُ (رَسُولًا) وَلَوْ عَبْدًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا (أَوْ) قَالَ دَخَلْتُ (بِأَمَانِ مُسْلِمٍ) يَصِحُّ أَمَانُهُ (صُدِّقَ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ، وَقَصْدُ ذَلِكَ يُؤَمِّنُهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى تَأْمِينٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: دَخَلْتُ لِأُسْلِمَ، أَوْ لِأَبْذُلَ جِزْيَةً. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا ادَّعَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ عِنْدنَا أَسِيرًا، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ، بَلْ يُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِهَا غَالِبًا.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي مُدَّعِي الرِّسَالَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي غَيْرِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْعَاقِدُ، فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ لِعِقْدِهَا الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ) فِيهَا خُصُوصًا أَوْ عُمُومًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعِظَامِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِمَا، لَكِنْ لَا يُغْتَالُ الْمَعْقُودُ لَهُ، بَلْ يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَاقِدِهَا (الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوا) عَقْدَهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا هُمْ أَبَوْا الْإِسْلَامَ فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ»

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْأَسْرِ. فَأَمَّا الْأَسِيرُ إذَا طَلَبَ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ (إلَّا) إذَا طَلَبَ عَقْدَهَا شَخْصٌ يُخَافُ كَيْدُهُ كَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ (جَاسُوسًا نَخَافُهُ) فَلَا نُجِيبُهُ لِلضَّرَرِ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ، بَلْ لَا نَقْبَلُ الْجِزْيَةَ مِنْهُ، وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ: كَمَا أَنَّ النَّامُوسَ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ. .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ لَهُ فَقَالَ (وَلَا تُعْقَدُ) الْجِزْيَةُ (إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الَّذِينَ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُمْ فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٢٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>