وَالْمَجُوس وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ.
ــ
[مغني المحتاج]
إلَى أَنْ قَالَ: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] (وَالْمَجُوس) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْهُمْ، وَقَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ (وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ) لِدِينِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبِيحَتُهُمْ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْمَيْتَاتِ التَّحْرِيمُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالنَّسْخِ نَسْخُ التَّوْرَاةِ بِالْإِنْجِيلِ فِي الْيَهُودِ، وَنَسْخُ الْإِنْجِيلِ فِي النَّصَارَى بِبَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ النَّسْخِ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا، أَوْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى كَآبَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِدِينٍ بَاطِلٍ وَسَقَطَتْ فَضِيلَتُهُ (أَوْ) أَيْ وَتُعْقَدُ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ كَأَنْ (شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ) أَيْ التَّهَوُّدِ أَوْ التَّنَصُّرِ فَلَمْ نَعْرِفْ أَدَخَلُوا قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ؟ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَالْمَجُوسِ، وَبِذَلِكَ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُمْ نَهَرَا وَتَنُوخُ وَبَنُو تَغْلِبَ تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ كَغَيْرِهِمْ، وَانْفَرَدَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَة عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَاهُمْ وَجَعَلَهُمْ بِذَلِكَ خَوَلًا: أَيْ عَبِيدًا، وَسُئِلَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَمَّا يَدَّعُونَهُ مِنْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِإِسْقَاطِهَا.
فَقَالَ: لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ وَالسَّامِرَةُ فَتُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ، وَكَذَا تُعْقَدُ لَهُمْ لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ كَمَنْ يَقُولُ إنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ فَلَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، سَوَاءٌ فِيهِمْ الْعَرَبِيُّ وَالْعَجَمِيُّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْعَجَمِ مِنْهُمْ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ إلَّا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ (وَكَذَا) يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ (زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ -) وَكَذَا صُحُفُ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِمَا صُحُفًا، فَقَالَ: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: ١٩] وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: ١٩٦] وَتُسَمَّى كِتَابًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: ١٠١] وَقِيلَ لَا تُعْقَدُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مَوَاعِظُ لَا أَحْكَامَ لَهَا، فَلَيْسَ لَهَا حُرْمَةُ الْأَحْكَامِ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبِيحَتُهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ) تُعْقَدُ لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ كَانَ الْكِتَابِيُّ أَمَةً تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَتُحْرَمُ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ احْتِيَاطًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا تُعْقَدُ لَهُ كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute