وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَصَبِيٍّ
وَمَجْنُونٍ، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ، أَوْ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَصَحُّ تُلَفَّقُ الْإِفَاقَةُ، فَإِذَا بَلَغَتْ سَنَةً وَجَبَتْ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ رَاجِعٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَى الَّتِي قَبْلَهَا.
وَلَوْ ظَفِرْنَا بِقَوْمٍ وَادَّعَوْا أَوْ بَعْضُهُمْ التَّمَسُّكَ تَبَعًا لِتَمَسُّكِ آبَائِهِمْ بِكِتَابٍ قَبْلَ النَّسْخِ، وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ صَدَّقْنَا الْمُدَّعِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعُقِدَ لَهُمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ دِينَهُمْ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ. فَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكَذِبِهِمْ: فَإِنْ كَانَ قَدْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ قِتَالُهُمْ إنْ بَانَ كَذِبُهُمْ اغْتَلْنَاهُمْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُشْرَطْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: عَنْ النَّصِّ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا.
وَلَوْ تَوَثَّنَ نَصْرَانِيٌّ بَلَغَ الْمَأْمَنَ. ثُمَّ أَطْفَالٌ الْمُتَوَثِّنِينَ مِنْ أُمِّهِمْ النَّصْرَانِيَّةِ نَصَارَى، وَكَذَا أَطْفَالُ النَّصَارَى مِنْ أُمِّهِمْ الْوَثَنِيَّةِ فَتُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ عَلَقَةُ التَّنَصُّرِ، فَلَا تَزُولُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدُ.
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٢٩] إلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] وَهُوَ خِطَابُ الذُّكُورِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ". تَنْبِيهٌ: لَوْ طَلَبَ النِّسَاءُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ أَعْلَمَهُنَّ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِنَّ. فَإِنْ رَغِبْنَ فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ (وَ) لَا عَلَى (خُنْثَى) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى، فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ، وَقَدْ عُقِدَ لَهُ الْجِزْيَةُ طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى لِعَدَمِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ، وَالْخُنْثَى كَذَلِكَ إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَلَمْ تُعْقَدْ لَهُ الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ مِنْهُ، وَمَنْ صَحَّحَ عَدَمَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ: (وَ) لَا عَلَى (مَنْ فِيهِ رِقٌّ) ، فَمَنْ كُلُّهُ رَقِيقٌ أَوْلَى وَلَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَالْعَبْدُ مَالٌ وَالْمَالُ لَا جِزْيَةَ فِيهِ، وَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا وَجَبَتْ عَلَى الْمُبَعَّضِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَمَنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ فَإِنَّ إفَاقَتَهُ تُلَفَّقُ كَمَا سَيَأْتِي. وَيَجِبُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِفَاقَةَ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ (وَ) لَا عَلَى (صَبِيٍّ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ - أَيْ مُحْتَلِمٍ - دِينَارًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا يُؤَدُّونَهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّجَالِ جَازَ وَلَزِمَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْوَالِ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ لَمْ يَجُزْ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ.
(وَ) لَا عَلَى (مَجْنُونٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ (فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ) وَكَانَ (قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ) وَلَا عِبْرَةَ بِهَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (أَوْ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ، فَالْأَصَحُّ تُلَفَّقُ الْإِفَاقَةُ) أَيْ زَمَنُهَا (فَإِذَا بَلَغَتْ) أَزْمِنَةُ الْإِفَاقَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ (سَنَةً) فَأَكْثَرَ (وَجَبَتْ) جِزْيَةٌ اعْتِبَارًا لِلْأَزْمِنَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِنُقْصَانِهِ كَالْبَعْضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute