فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمَى الْغَدَ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، فَلَا يَنْفِرُ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْمَنَاسِكِ حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَتْرُكُ حَصَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَوْ يَدْفَعُهَا لِمَنْ لَمْ يَرْمِ وَلَا يَنْفِرُ بِهَا.
وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهَا فَلَا أَصْلَ لَهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا: أَيْ يَذْهَبْ. وَأَصْلُهُ لُغَةً: الِانْزِعَاجُ (حَتَّى غَرَبَتْ) أَيْ الشَّمْسُ (وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمْيُ الْغَدِ) لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَلَهُ النَّفْرُ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ارْتَحَلَ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْ مِنًى فَإِنَّ لَهُ النَّفْرَ، وَهَذَا مَا جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي مَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّفْرُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ غَلَطٌ، وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى زَائِرًا أَوْ مَارًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَمْ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا بَلْ لَوْ بَاتَ هَذَا مُتَبَرِّعًا سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ لَهُ بِالنَّفْرِ وَيَجِبُ بِتَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِي مِنًى دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمَبِيتَ الْوَاجِبَ كَمَا يَجِبُ فِي تَرْكِ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ دَمٌ، وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ مُدٌّ وَاللَّيْلَتَيْنِ مُدَّانِ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي تَرْكِ الثَّلَاثِ مَعَ لَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ دَمَانٍ لِاخْتِلَافِ الْمَبِيتَيْنِ مَكَانًا، وَيُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي تَرْكِ الرَّمْيَيْنِ بِأَنَّ تَرْكَهُمَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَكَانَيْنِ وَزَمَانَيْنِ، وَتَرْكُ الرَّمْيَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَّا تَرْكَ زَمَانَيْنِ، فَلَوْ نَفَرَ مَعَ تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَتَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى فِيهِمَا، وَيَسْقُطُ مَبِيتُ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَالدَّمُ عَنْ الرِّعَاءِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ إنْ خَرَجُوا مِنْهُمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى، وَقِيسَ بِمِنًى مُزْدَلِفَةَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا حِينَئِذٍ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَنْ كَانُوا بِهَا بَعْدَهُ لَزِمَهُمْ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ.
وَأَمَّا أَهْلُ السِّقَايَةِ، وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ: مَوْضِعٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُسْقَى فِيهِ الْمَاءُ وَيُجْعَلُ فِي حِيَاضٍ يُسَبَّلُ لِلشَّارِبِينَ فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الْمَبِيتُ، وَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَكَانَتْ السِّقَايَةُ مُحْدَثَةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى لِأَجْلِ السِّقَايَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُ الْعَبَّاسِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَبَّاسِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِمْ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الرِّعَاءِ، وَمَا ذُكِرَ فِي السِّقَايَةِ الْحَادِثَةِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ، وَلِرِعَاءِ الْإِبِلِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ يَوْمًا فَقَطْ وَيُؤَدُّونَهُ فِي تَالِيهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يُرَخَّصُ لِلرِّعَاءِ فِي تَرْكِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ: أَيْ فِي تَأْخِيرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ وَعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute