للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَهُ شَوْكَةٌ، لَا مُخْتَلِسُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ،

ــ

[مغني المحتاج]

{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] الْآيَةَ، إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَيْرِهِمْ، وَفِي أَبِي دَاوُد أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعُرَنِيِّينَ، وَفِي النَّسَائِيّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (هُوَ) أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ (مُسْلِمٌ) أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ كَمَا فِي السَّارِقِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى، فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ بَعْدَ الْكَشْفِ التَّامِّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الْإِسْلَامُ إلَّا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ رَأَيْتُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الْأُمِّ مُصَرِّحًا بِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. قَالَ: وَلَا أَثَرَ لِلتَّعَلُّقِ بِسَبَبِ النُّزُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ عَلَى الْأَصَحِّ (مُكَلَّفٌ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُكَلَّفِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُخْتَارٌ (لَهُ شَوْكَةٌ) أَيْ: قُوَّةٌ وَقُدْرَةٌ يَغْلِبُ بِهَا غَيْرَهُ.

تَنْبِيهٌ إفْرَادُ الْمُصَنِّفِ الصِّفَاتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ عَدَدٌ وَلَا ذُكُورَةٌ وَلَا سِلَاحٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالْوَاحِدُ وَلَوْ أُنْثَى إذَا كَانَ لَهُ فَضْلُ قُوَّةٍ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَتَعَرَّضَ لِلنَّفْسِ وَلِلْمَالِ مُجَاهَرَةً مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَفَقَدَ الْغَوْثَ. . إلَخْ قَاطِعٍ، وَكَذَا الْخَارِجُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ إنْ كَانَ لَهُ قُوَّةٌ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَلَوْ بِاللَّكْزِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ آلَةٍ، وَخَرَجَ بِمُلْتَزِمٍ الْحَرْبِيُّ وَالْمُعَاهَدُ، وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ إلَّا السَّكْرَانَ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ ضَمِنَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ النَّفْسَ وَالْمَالَ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَبِالِاخْتِيَارِ الْمُكْرَهُ، وَبِالشَّوْكَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (لَا مُخْتَلِسُونَ) قَلِيلُونَ (يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ) عَظِيمَةٍ (يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ) بِرَكْضِ الْخَيْلِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ الْعَدُوِّ عَلَى الْأَقْدَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَيْسُوا قُطَّاعًا لِانْتِفَاءِ الشَّوْكَةِ، وَحُكْمُهُمْ فِي الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ كَغَيْرِهِمْ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمِدَ عَلَى الشَّوْكَةِ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ الرُّفْقَةِ فَغَلُظَتْ عُقُوبَتُهُ رَدْعًا لَهُ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِسِ أَوْ الْمُنْتَهِبِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى قُوَّةٍ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لِآخِرِ قَافِلَةٍ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ: بَلْ حُكْمُ التَّعَرُّضِ لِأَوَّلِهَا وَجَوَانِبِهَا كَذَلِكَ، فَلَوْ قَهَرُوهُمْ وَلَوْ مَعَ كَوْنِهِمْ قَلِيلِينَ فَقُطَّاعٌ لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الشَّوْكَةِ، فَلَا يُعَدُّ أَهْلُ الْعَاقِلَةِ مُقَصِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ وَلَا يَضْبِطهُمْ مُطَاعٌ وَلَا عَزْمَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ مُرَادَهُ بِشَوْكَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِالنَّظَرِ لِمَنْ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>