وَأَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا، فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ.
ــ
[مغني المحتاج]
سِوَاهُمَا مِنْهَا فَمَوَاتٌ أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: مَا فِي أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِنْ الْأَشْجَارِ ثِمَارُهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ، وَيَصْرِفُ أَثْمَانَهَا أَوْ يَصْرِفُهَا نَفْسَهَا مَصَارِفَ الْخَرَاجِ، وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ، وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا. نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَمَا قَالَهُ: الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَقَطَعَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الدُّورِ حَالَ الْفَتْحِ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْمَزَارِعِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْيَوْمَ أَنْ يَقِفَ أَرْضَ الْغَنِيمَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ عَقَارَاتِهَا أَوْ مَنْقُولَاتِهَا جَازَ إنْ رَضِيَ الْغَانِمُونَ بِذَلِكَ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لَا قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ خَشِيَ أَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ، لَكِنْ يَقْهَرُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوهَا.
(وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا) لَا عَنْوَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ} [الفتح: ٢٢] الْآيَةَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، وقَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: ٢٤] وقَوْله تَعَالَى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: ٢٠] إلَى قَوْلِهِ: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح: ٢١] أَيْ بِالْقَهْرِ: قِيلَ الَّتِي عَجَّلَهَا لَهُمْ غَنَائِمُ حُنَيْنٍ، وَاَلَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا غَنَائِمُ مَكَّةَ، وَمَنْ قَالَ: فُتِحَتْ عَنْوَةً، مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ: (فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ) إذْ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمَّا قَالَ: لَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ غَدًا بِدَارِك بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟» وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ وَطَالِبٌ دُونَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَا يُورَثُ إلَّا مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا لَهُ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ بَيْعِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَنَازَعَهُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٍ، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، بَلْ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِمَا نَهْيٌ مَقْصُودٌ.
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ نَفْسِ الْأَرْضِ. أَمَّا الْبِنَاءُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْزَاءِ أَرْضِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي بِنَاءِ السَّوَادِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي تَرَتُّبَ كَوْنِهَا مِلْكًا عَلَى الصُّلْحِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مُقْتَضَى الصُّلْحِ أَنَّهَا وَقْفٌ؛ لِأَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute