فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ.
وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي وَهِيَ قَارِئَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِئَ عَلَيْهَا فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، طَلُقَتْ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ) لَهَا مَكْتُوبًا كُلَّهُ مُرَاعَاةً لِلشَّرْطِ، فَإِنْ انْمَحَى كُلُّهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَمْ تَطْلُقْ، كَمَا لَوْ ضَاعَ وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ بَعْدَ الْمَحْوِ وَأَمْكَنَ قِرَاءَتُهُ طَلُقَتْ، وَلَوْ ذَهَبَ سَوَابِقُهُ وَلَوَاحِقُهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَبَقِيَتْ مَقَاصِدُهُ وَقَعَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَهَبَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ انْمَحَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا جَمِيعُ الْكِتَابِ، وَلَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَتَبَ عَمَّا لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ، كَمَا لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الزَّوْجُ كَمَا جَزَمَا بِهِ خِلَافًا لِلصَّيْمَرِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَى غَيْرِهِ وَبِقَوْلِهِ طَالِقٌ عَمَّا لَوْ كَتَبَ كِنَايَةً مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ كَتَبَ زَوْجَتِي بَائِنٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ كِنَايَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِكِنَايَةٍ، إذْ لَا يَكُونُ لِلْكِنَايَةِ كِنَايَةٌ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
فَرْعٌ: لَوْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك نِصْفُ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَغَهَا كُلُّهُ طَلُقَتْ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ ادَّعَتْ وُصُولَ كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ خَطُّهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا بِرُؤْيَةِ الشَّاهِدِ بِكِتَابِهِ وَحَفِظَهُ عِنْدَهُ لِوَقْتِ الشَّهَادَةِ.
(وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَهِيَ قَارِئَةٌ فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ بِهِ إذْ الْقِرَاءَةُ تُعْطِي ذَلِكَ، لَكِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ.
الثَّانِي: اشْتِرَاطُ قِرَاءَةِ جَمِيعِهِ، وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِقِرَاءَةِ الْمَقَاصِدِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَحُكْمُ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْكِتَابِ كَوُصُولِ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ حُكْمُهُ (وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا) تَطْلُقُ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَعَ الْإِمْكَانِ. وَالثَّانِي تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اطِّلَاعُهَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكَلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا إذَا كَتَبَ لِلْقَاضِي مَنْ وَلَّاهُ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَهُوَ قَارِئٌ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ. فَهَلَّا سَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ عَادَةَ الْحُكَّامِ قِرَاءَةُ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ، وَالْمَقْصُودُ إعْلَامُهُ بِالْحَالِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَإِنَّمَا يُتَحَقَّقُ وُقُوعُهُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً) أَيْ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ ذَلِكَ (فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْقَارِئَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ حَالَهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقْ عَلَى الْأَقْرَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَتَرِدُ هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ ثُمَّ عَلَّقَ بِوُصُولِ الطَّلَاقِ وَوَصَلَ إلَيْهَا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute