للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، وَالْبُلُوغُ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،

ــ

[مغني المحتاج]

الْأَقْوَالِ. نَعَمْ لَا تَعُودُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَنَحْوُهُ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ (وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] الْآيَةَ وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، وَالرُّشْدُ، ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ» وَالْمُرَادُ مِنْ إينَاسِ الرُّشْدِ الْعِلْمُ بِهِ، وَأَصْلُ الْإِينَاسِ الْإِبْصَارُ، وَمِنْهُ - آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا -: أَيْ أَبْصَرَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: رَشِيدًا عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُلُوغِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ اهـ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَلَامُ الْكِتَابِ لَا يَسْتَقِيمُ إنْ قُرِئَ بِلَفْظِ الصِّبَا بِكَسْرِ الصَّادِ، وَإِنْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا اسْتَقَامَ. لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ كَلَامِهِ اهـ.

قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْمَحْفُوظُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِهَا وَلَا بُعْدَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

وَلَوْ بَلَغَ وَادَّعَى الرُّشْدَ وَأَنْكَرَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَلَا يُحَلِّفُ الْوَلِيَّ الْقَاضِي وَالْقَيِّمُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ؛ وَلِأَنَّ الرُّشْدَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ (وَالْبُلُوغُ) يَحْصُلُ إمَّا (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) قَمَرِيَّةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ تَحْدِيدِيَّةً كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ وَالضَّوَابِطِ، وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً: أَيْ طَعَنْت فِيهَا، وَبِقَوْلِهِ: وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً: أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَالْخَنْدَقِ كَانَ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَمُولِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>